الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه ) ; لأنه لما ثبت النسب في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة لأنه لا تجزأ لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق ، إذ الولد الواحد لا يتعلق من ماءين ( وصارت أم ولد له ) لأن الاستيلاد لا يتجزأ عندهما .

                                                                                                        ( وعند أبي حنيفة رحمه الله يصير نصيبه أم ولد له ثم يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك ويضمن نصف قيمتها ) لأنه تملك نصيب صاحبه لما استكمل الاستيلاد ، ويضمن نصف عقرها لأنه وطئ جارية مشتركة ، إذ الملك يثبت حكما للاستيلاد فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه بخلاف الأب إذا استولد جارية ابنه ; لأن الملك هنالك يثبت شرطا للاستيلاد فيقدمه فصار واطئا ملك نفسه ( ولا يغرم قيمة ولدها ) لأن النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم يتعلق شيء منه على ملك الشريك ( وإن ادعياه معا ثبت نسبه منهما ) معناه إذا حملت على ملكهما .

                                                                                                        وقال الشافعي رحمه الله : يرجع إلى قول القافة ، لأن إثبات النسب من شخصين معا مع علمنا أن الولد لا ينخلق من ماءين متعذر فعملنا بالشبه .

                                                                                                        [ ص: 45 - 46 ] وقد سر رسول الله عليه الصلاة والسلام بقول القائف في أسامة رضي الله عنه .

                                                                                                        [ ص: 47 ] ولنا كتاب عمر رضي الله عنه إلى شريح في هذه الحادثة : لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه ، وهو للباقي منهما وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                        وعن علي رضي الله عنهم ثل ذلك ، ولأنهما استويا في ثبت الاستحقاق فيستويان فيه ، والنسب وإن كان لا يتجزأ ولكن تتعلق به أحكام متجزئة ، فما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة ، وما لا يقبلها يثبت في حق كل أحد منهما كاملا كأن ليس معه غيره ، إلا إذا كان أحد الشريكين أبا للآخر ، أو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا لوجود المرجح في حق المسلم وهو الإسلام ، وفي حق الأب وهو ماله من الحق في نصيب الابن وسرور النبي عليه الصلاة والسلام فيما روي ; لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة رضي الله عنه ، وكان قول القائف مقطعا لطعنهم فسر به ( وكانت الأمة أم ولدهما ) لصحة دعوة كل واحد منهما في نصيبه في الولد فيصير نصيبه منها أم ولد له تبعا لولدها ( وعلى كل واحد منهما نصف العقر [ ص: 48 ] قصاصا بما له على الآخر ، ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل ) ; لأنه أقر له بميراثه كله ، وهو حجة في حقه ( ويرثان منه ميراث أب واحد ) لاستوائهما في النسب كما إذا أقاما البينة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : وقد سر النبي صلى الله عليه وسلم بقول القائف في أسامة ; قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " فرواه البخاري في " الفرائض " ، ومسلم في " الرضاع " ، وأبو داود في " اللعان " ، والترمذي في " الولاء " ، والنسائي في " الطلاق " ، وابن ماجه في " الأحكام " كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن { عائشة ، قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا فقال : يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي ، وعندي أسامة بن زيد ، فرأى أسامة بن زيد ، وزيدا ، وعليهما قطيفة ، وقد غطيا رءوسهما ، وبدت أقدامهما ، فقال : هذه أقدام بعضها من بعض ، }انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : كان أسامة أسود ، وكان زيد أبيض انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري ومسلم ، قالت : { دخل قائف ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد ، وأسامة بن زيد ، وزيد بن حارثة مضطجعان ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ، فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم }انتهى .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة أن رجلين اختصما في ولد ، فدعا عمر القائفة ، واقتدى في ذلك ببصر القائفة ، وألحقه أحد الرجلين ، انتهى .

                                                                                                        قوله : وسرور النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة ، وكان قول القائف مقطعا لطعنهم ، فسر به .

                                                                                                        [ ص: 47 ] قوله : روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى شريح في هذه الحادثة ، لبسا ، فلبس عليهما ، ولو بينا لبين لهما ، وهو ابنهما يرثهما ويرثانه ، وهو للباقي منهما ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة .

                                                                                                        وعن علي مثل ذلك ; قلت : الحادثة هي أمة كانت بين شريكين أتت بولد فادعياه ، والحديث رواه البيهقي بنقص يسير ، أخرجه عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمر في رجلين وطئا جارية في طهر واحد ، فجاءت بغلام ، فارتفعا إلى عمر ، فدعا له ثلاثة من القافة ، فاجتمعوا على أنه أخذ الشبه منهما جميعا ، وكان عمر قائفا يقوف ، فقال : قد كانت الكلبة ينزوا عليها الأسود والأصفر والأحمر ، فيؤدي إلى كل كلب شبه . ولم أكن أرى هذا في الناس حتى رأيت هذا ، فجعله عمر لهما يرثهما ويرثانه ، وهو للباقي منهما ، انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : هو منقطع ، ومبارك بن فضالة ليس [ ص: 48 ] بحجة ; ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن قتادة ، قال : رأى القائفة وعمر جميعا شبهه فيهما ، وشبههما فيه ، فقال عمر : هو بينكما يرثكما وترثانه ، قال : فذكرت ذلك لابن المسيب ، فقال : نعم ، هو للآخر منهما ، انتهى .

                                                                                                        وأما أثر علي : فأخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن سماك عن مولى لبني مخزوم ، قال : وقع رجلان على جارية في طهر واحد ، فعلقت الجارية فلم يدر من أيهما هو ، فأتيا عليا ، فقال : هو بينكما يرثكما وترثانه ، وهو للباقي منكما انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن علي ، قال : أتاه رجلان وقعا على امرأة في طهر ، فقال : الولد بينكما ، وهو للباقي منكما انتهى .

                                                                                                        وضعفه البيهقي ، وقال : يرويه سماك عن رجل مجهول لم يسمه ، وقابوس وهو غير [ ص: 49 ] محتج به عن أبي ظبيان عن علي ، قال : وقد روي عن علي مرفوعا خلاف هذا ، ثم أخرج من طريق أبي داود حدثنا خشيش بن أصرم ثنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم ، قال : { أتي علي عليه السلام بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فسأل اثنين ، أتقران لهذا بالولد ؟ قالا : لا ، حتى سألهم جميعا ، فجعل كلما سأل اثنين قالا : لا ، فأقرع بينهم ، فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة ، وجعل عليه ثلثي الدية ، قال : فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه }انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : وقد اختلف في رفعه ، وقد ذكرناه في " السنن " انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية