الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        يجب على الأم أن ترضع ولدها اللبأ ، ولها أن تأخذ عليه الأجرة إن كان لمثله أجرة ، وفي وجه ذكره الماوردي : لا أجرة لها ، لأنه متعين عليها ، والصحيح الأول ، كما يلزم بذل الطعام للمضطر ببدله ، ثم إن لم يوجد بعد سقي اللبأ مرضعة غيرها ، لزمها الإرضاع ، وكذا لو لم يوجد إلا أجنبية ، لزمها الإرضاع ، وإن وجد غيرها وامتنعت الأم من الإرضاع ، لم تجبر ، سواء كانت في نكاح الأب أم بائنة ، وسواء كانت ممن يرضع مثلها الولد في العادة أم لا .

                                                                                                                                                                        وإن رغبت الأم في الإرضاع ، فلها حالان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن تكون في نكاح أبي الرضيع ، فهل له منعها من إرضاعه ؟ وجهان : أحدهما : لا ، لأن فيه إضرارا بالولد ، وأصحهما : نعم ، لأنه يستحق الاستمتاع بها في أوقات الإرضاع لكن يكره له المنع .

                                                                                                                                                                        قلت : الأول أصح ، وممن صححه البغوي والروياني في " الحلية " وقطع به الدارمي والقاضي أبو الطيب في " المجرد " والمحاملي والفوراني وصاحب " التنبيه " والجرجاني . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : ليس له المنع ، أو توافقا على الإرضاع ، فإن كانت متبرعة فذاك ، وهل تزاد نفقتها للإرضاع ؟ وجهان : أحدهما قاله [ ص: 89 ] أبو إسحاق والإصطخري : نعم ، ويجتهد الحاكم في قدر الزيادة ، لأنها تحتاج في الإرضاع إلى زيادة الغذاء . وأصحهما : لا ، لأن قدر النفقة لا يختلف بحال المرأة وحاجتها ، وإن طلبت أجرة ، بني على أن الزوج هل له استئجار زوجته لإرضاع ولده ؟ فيه وجهان ذكرناهما في الإجارة ، قال العراقيون : لا يجوز ، وأصحهما : الجواز ، فعلى هذا حكمها إذا طلبت الأجرة حكم البائن إذا طلبت الإرضاع بأجرة ، وسنذكره - إن شاء الله تعالى - . وإذا أرضعت بالأجرة ، فإن كان الإرضاع لا يمنع من الاستمتاع ولا ينقصه فلها مع الأجرة النفقة ، وإن كان يمنع أو ينقص فلا نفقة لها ، كذا ذكره البغوي وغيره ، ويشبه أن يجيء فيه الخلاف فيما لو سافرت لحاجتها بإذنه ، وإن قلنا : لا يجوز الاستئجار ، وأرضعت على طمع الأجرة ، ففي استحقاقها أجرة المثل وجهان ، قال ابن خيران : تستحق ، لأنها لم تبذل منفعتها مجانا ، وقال الجمهور : لا تستحق .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن تكون مفارقة ، فإن تبرعت بالإرضاع ، لم يكن للأب المنع ، وإن طلبت أجرة ، نظر ، إن طلبت أكثر من أجرة المثل ، لم يلزمه الإجابة ، وكان له استرضاع أجنبية بأجرة المثل ، وإن طلبت أجرة المثل ، فهي أولى من الأجنبية بأجرة المثل ، فإن وجد أجنبية تتبرع ، أو ترضى بدون أجرة المثل ، فهل للأب انتزاع الولد منها ؟ فيه طريقان : أشهرهما على قولين : أظهرهما : له الانتزاع . والطريق الثاني : له الانتزاع قطعا ، وبه قال ابن سريج ، وأبو إسحاق ، وابن أبي هريرة ، والإصطخري ، فعلى المذهب لو اختلفا ، فقال الأب : أجد متبرعة ، وأنكرت ، فهو المصدق بيمينه ، لأنها تدعي عليه أجرة ، الأصل عدمها ، ولأنه تشق عليه البينة ، وحيث أوجبنا الأجرة فهي في مال الطفل ، فإن لم يكن له مال ، فعلى الأب كالنفقة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية