الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل :

القسم الثاني : من رده ظاهرا وباطنا وكفر به ولم يرفع به رأسا وهؤلاء أيضا نوعان :

أحدهما : عرفه وتيقن صحته وأنه حق ولكن حمله الحسد والكبر وحب الرياسة والملك [ ص: 73 ] والتقدم بين قومه على جحده ودفعه بعد البصيرة واليقين .

النوع الثاني : أتباع هؤلاء الذين يقولون هؤلاء ساداتنا وكبراؤنا وهم أعلم منا بما يقبلونه وما يردونه ولنا أسوة بهم ولا نرغب بأنفسنا عن أنفسهم ، ولو كان حقا لكانوا هم أهله وأولى بقبوله ، وهؤلاء بمنزلة الدواب والأنعام يساقون حيث يسوقهم راعيهم ، وهم الذين قال الله عز وجل فيهم : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ) . وقال تعالى فيهم : ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) .

وقال تعالى فيهم : ( وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ) . وقال فيهم : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ) أي سننتموه لنا وشرعتموه : ( قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ) فقولهم : ( لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ) أي : دخلوها كما دخلناها ومقاسون عذابها كما نقاسيه فأجابهم الأتباع وقالوا : ( قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا ) وفي الضمير قولان : أحدهما : أنه ضمير الكفر والتكذيب ورد قول الرسول صلى الله عليه وسلم واستبدال [ ص: 74 ] غيره به ، والمعنى : أنتم زينتم لنا الكفر ودعوتمونا إليه وحسنتموه لنا ، وقيل على هذا القول : أنه قول الأمم المتأخرين للمتقدمين ، والمعنى على هذا : أنتم شرعتم لنا تكذيب الرسل ورد ما جاءوا به والشرك بالله سبحانه وتعالى ، وبدأتم به وتقدمتمونا إليه فدخلتم النار قبلنا فبئس القرار ، أي : بئس المستقر والمنزل .

والقول الثاني : أن الضمير في قوله : أنتم قدمتموه لنا . ضمير العذاب وصلي النار ، والقولان متلازمان ، وهما حق .

وأما القائلون : ( ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ) فيجوز أن يكون الأتباع دعوا على سادتهم وكبرائهم وأئمتهم به لأنهم هم الذين حملوهم عليه ودعوهم إليه ويجوز أن يكون جميع أهل النار سألوا ربهم أن يزيد من سن لهم الشرك وتكذيب الرسل صلى الله عليهم وسلم ضعفا ، وهم الشياطين .

التالي السابق


الخدمات العلمية