الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
قد سبق الكلام في الوعد والصدق والكذب ونحو ذلك والأخبار في ذلك ، وقد أثنى الله عز وجل على إسماعيل عليه السلام فقال : { إنه كان صادق الوعد } .

وذلك ; لأنه عانى في الوفاء بالعهد ما لم يعانه غيره وعد رجلا فانتظره حولا ، روي عن ابن عباس ، وقيل انتظره اثني عشر يوما ، وقيل ثلاثة أيام قال ابن عبد البر : وقد روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتظر رجلا وعده في موضع من طلوع الشمس إلى غروبها } . قال الشاعر :


لسانك أحلى من جنى النحل وعده وكفاك بالمعروف أضيق من قفل



وقال آخر :

لله درك من فتى     لو كنت تفعل ما تقول



وقال الآخر :

لا خير في كذب الجواد     وحبذا صدق البخيل



وقال آخر :

الخير أنفعه للناس أعجله     وليس ينفع خير فيه تطويل



[ ص: 39 ] وقال آخر :

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا     وما مواعيدها إلا الأباطيل



وقال ابن الكلبي عن أبيه كان عرقوب رجلا من العماليق فآتاه أخ له يسأل شيئا فقال له عرقوب إذا أطلع نخلي . فلما أطلع أتاه فقال : إذا أبلح ، فلما أبلح أتاه فقال : إذا أزهى ، فلما أزهى أتاه فقال : إذا أرطب ، فلما أرطب أتاه فقال : إذا أتمر ، فلما أتمر جذه ولم يعطه شيئا فضرب به العرب المثل في خلف الوعد وقال غيره : كان عرقوب جبلا مكللا بالسحاب أبدا ولا يمطر شيئا قالت الحكماء من خاف الكذب أقل المواعيد ، وقالوا : أمران لا يسلمان من الكذب كثرة المواعيد ، وشدة الاعتذار .

وقال آخر :

إن الكريم إذا حباك بموعد     أعطاكه سلسا بغير مطال



وقال آخر :

قم لوجه الله بالحق وكن     صادق الوعد فمن يخلف يلم



وذكر ابن عبد البر قول عائشة رضي الله عنها قلت { يا رسول الله بم يعرف المؤمن ؟ قال وقاره ، ولين كلامه ، وصدق حديثه } وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم .

وقال سعيد : كل الخصال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب قيل للقمان الحكيم ألست عبد بني فلان ؟ قال بلى قيل فما بلغ بك ما أرى قال : تقوى الله عز وجل ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني ، ثم قال : [ ص: 40 ]

ألا رب من تغتشه لك ناصح     ومؤتمن بالغيب غير أمين

وقال نافع مولى ابن عمر : طاف ابن عمر سبعا وصلى ركعتين فقال له رجل من قريش : ما أسرع ما طفت وصليت يا أبا عبد الرحمن ، .

فقال ابن عمر أنتم أكثر منا طوافا وصياما ، ونحن خير منكم بصدق الحديث . وأداء الأمانة وإنجاز الوعد . أنشد محمود الوراق :


اصدق حديثك إن في     الصدق الخلاص من الدنس
ودع الكذوب لشانه     خير من الكذب الخرس



وقال آخر :

ما أقبح الكذب المذموم صاحبه     وأحسن الصدق عند الله والناس

وقال منصور الفقيه :

الصدق أولى ما به     دان امرؤ فاجعله دينا
ودع النفاق فما رأيت     منافقا إلا مهينا



وقال الحسن البصري : لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه ، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه .

وقال الفريابي كنت عند الأوزاعي إذ جاءه رجل فقال يا أبا عمرو ، هذا كتاب صديقك وهو يقرأ عليك السلام فقال متى قدمت ؟ قال : أمس ، قال ضيعت أمانتك لا أكثر الله في المسلمين أمثالك قال الشاعر :

إذا أنت حملت الأمانة خائنا     فإنك قد أسندتها شر مسند



وقال بعض الحكماء من عرف بالصدق جاز كذبه ، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه ، قالوا والصدق عز والكذب خضوع .

وقال كعب بن زهير :

ومن دعا الناس إلى ذمه     ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها     أسرع من منحدر السائل



[ ص: 41 ] وقال لقمان لابنه : يا بني احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه .

وقال الأصمعي : قيل لكذاب ما يحملك على الكذب ؟ فقال أما إنك لو تغرغرت ماءه ما نسيت حلاوته ، وقيل لكذاب هل صدقت قط قال أكره أن أقول لا فأصدق .

التالي السابق


الخدمات العلمية