الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : في أرض آهر ببلد أكدز وهي أرض إسلام ليس فيها إلا المسلمون ، ولكل قبيلة منهم أرض هم نازلون بها وليس فيها ما ينتفع به من الحرث والزراعة في الغالب ، وإنما غالب ما ينتفع به فيها مباحات النبات من الأشجار كثمر الدوام والسدر وغيرهما مما ينبت بغير تكلف آدمي وما شابهه من حبوب الأعشاب النابتة بغير حرث ولا تعب مما هو تبع للأرض ، ويحصل لمن اعتنى بجمع ذلك شيء له قيمة والأرض المذكورة تملكها أهلها المذكورون بها ، بإذن أمين البلاد المولى بإذن أمير المؤمنين وأقطعها أمير البلاد المذكور لأهلها النازلين المذكورين بها لمصالح له وللمسلمين في إقطاعهم إياها ، فهل لمن هو بها أن يبيع كلأها وشيئا من شجرها ؟ وهل لهم أن يمنعوا غيرهم من الرعي فيها أو الانتفاع منها بشيء ؟ وأصل الأرض المذكورة مجهول لا يعرف هل هي أرض عنوة أو أرض صلح ؟ وإنما هي من قديم الزمان بيد مقدم البلاد يقطعها لمن يشاء ونشأوا على ذلك خلفا عن سلف ، وغالب مصالحهم ومنافعهم متعلقة بذلك ، فإن قلتم : لهم بيع كلأها ومنع غيرهم منه فما معنى الحديث الوارد في منع بيع فضل الماء ليمنع به الكلأ ؟ وما معنى الحديث الوارد فيما يروى أربعة لا تمنع ، وذكر فيها الماء والكلأ ، أفتونا مأجورين سددكم الله - تعالى - للصواب بعد السلام عليكم ؟ .

            الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، اتفق العلماء على أن الكلأ إذا جز من نباته وقطع وحيز بالأخذ والتنازل فإن حائزه يملكه وله بيعه ولا يجب عليه بذله ، وأما الكلأ الذي هو في منابته لم يقطع ولم يجز فإن كان نابتا في أرض موات فالناس فيها سواء كالماء المباح ، وعلى هذا يحمل ما ورد في الحديث عن النبي - عليه السلام - من منعه ، وإن كان نابتا في أرض مملوكة فهو ملك لصاحب الأرض لا يجب بذله ويجوز بيعه ، بقي قسم واحد وهو الكلأ النابت في أرض أقطعها السلطان إنسانا ، وفيه تفصيل : فإن كانت تلك الأرض مواتا لم يجز الإقطاع والحالة هذه ؛ لأنه من الحمى المنهي عنه في الحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا حمى إلا لله ورسوله " ، وإنما يجوز إقطاع الموات الخالي عن الكلأ والعشب ، وإن كانت تلك الأرض غير موات وهي من أراضي [ ص: 176 ] بيت المال التي يقطعها السلطان الآن من الديار المصرية فإن إقطاعها صحيح ، ويختص المقطع بالكلأ الذي فيها ينتفع به ويبيعه ؛ لأنه مال من جملة أموال بيت المال سوغ السلطان استغلاله لهذا المقطع بعينه ، والظاهر أن أرض أكدز بهذه المثابة في الإقطاع والاستغلال والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية