الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ينعقد ) الإجماع ( مع مخالفة ) مجتهد ( واحد ) يعتد بقوله عند الإمام أحمد رضي الله عنه وأصحابه . والأكثر لأنه لا يسمى إجماعا مع المخالفة ; لأن الدليل لم ينهض إلا في كل الأمة ; لأن " المؤمن " لفظ عام ، والأمة موضوعة للكل ; ولأن من الجائز إصابة الأقل وخطأ الأكثر ، كما كشف الوحي عن إصابة عمر في أسرى بدر ، وكما انكشف الحال عن إصابة أبي بكر في أمر الردة . وقيل : ينعقد حتى مع مخالفة [ ص: 230 ] اثنين . اختاره ابن جرير الطبري وأبو بكر الرازي الحنفي وابن حمدان من أصحابنا في المقنع ، وبعض المالكية وبعض المعتزلة . وإليه ميل أبي محمد الجويني في المحيط . وقيل : إن هذا في غير أصول الدين . أما فيها فلا ينعقد مع مخالفة أحد . وقيل : هو مع المخالفة حجة ، لا إجماع . اختاره ابن الحاجب وغيره ( وتعتبر مخالفة من صار أهلا قبل انقراض العصر ) أي : عصر المجمعين ; لأن انقراض العصر معتبر لصحة الإجماع . وهذا مبني على ذلك . قال في شرح التحرير : والصحيح ، وعليه الأكثر : أنه مبني على انقراض العصر ، فمن اشترط لصحة الإجماع انقراض العصر قبل الاختلاف - وهو الأصح ، كما يأتي الجزم بذلك في المتن - قال : هذا ليس بإجماع إن خالف . ومن قال : لا يشترط انقراض العصر قال : الإجماع انعقد ، ولا اعتبار بمخالفة من صار من أهل الإجماع بعد ذلك ، وعلى اعتبار انقراض العصر ( ولو ) كان الذي صار أهلا ( تابعيا مع ) إجماع ( الصحابة ) قبل أن يصير التابعي أهلا للاجتهاد ، ثم صار أهلا قبل انقراض عصر الصحابة المجمعين وخالفهم ; لأنه لا إجماع للصحابة مع مخالفة تابعي مجتهد عند الإمام أحمد رضي الله عنه والقاضي أبي يعلى ، وأبي الخطاب ، وابن عقيل والموفق ، وأكثر الفقهاء والمتكلمين منهم ، أكثر الحنفية والشافعية والمالكية . لأنه مجتهد من الأمة . فلا ينهض الدليل بدونه ، ولأن الصحابة سوغوا اجتهاد التابعين وفتواهم معهم في الوقائع الحادثة في زمانهم ، فكان سعيد بن المسيب يفتي في المدينة وفيها خلق من الصحابة ، وشريح بالكوفة وفيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وحكم عليه في خصومة عرضت له عنده ، على خلاف رأي علي ، ولم ينكر عليه ، وكذا الحسن البصري وغيرهم كانوا يفتون بآرائهم زمن الصحابة من غير نظر أنهم أجمعوا أو لا ، ولو لم يعتبر قولهم في الإجماع معهم لسألوا قبل إقدامهم على الفتوى : هل أجمعوا أم لا ؟ لكنهم لم يسألوا ، فدل على اعتبار قولهم معهم مطلقا ، وسئل أنس رضي الله عنه عن مسألة ، فقال " سلوا مولانا الحسن . فإنه غاب وحضرنا ، [ ص: 231 ] وحفظ ونسينا " فقد سوغوا اجتهادهم ، ولولا صحته واعتباره لما سوغوه ، وإذا اعتبر قولهم في الاجتهاد فليعتبر في الإجماع ; إذ لا يجوز مع تسويغ الاجتهاد ترك الاعتداد بقولهم وفاقا . والأدلة السابقة تتناولهم . واختصاص الصحابة بالأوصاف الشريفة لا يمنع من الاعتداد بذلك . وعند أحمد رواية أخرى : أن اتفاق الصحابة مع مخالفة التابعين يكون إجماعا . واختاره الخلال والحلواني والقاضي أيضا في بعض كتبه ، فيكون له اختياران . ووجه ذلك : أن الصحابة شاهدوا التنزيل . فهم أعلم بالتأويل . فالتابعون معهم كالعامة مع العلماء . ولذلك قدم تفسيرهم . وأنكرت عائشة على أبي سلمة لما خالف ابن عباس في عدة المتوفى عنها . وزجرته بقولها " أراك كالفروج يصيح بين الديكة " ولو كان قوله معتبرا لما أنكرته . ورد ذلك بأن كونهم أعلم لا ينفي اعتبار اجتهاد المجتهد ، وكونهم معهم كالعامة مع العلماء تهجم ممنوع . والصحبة لا توجب الاختصاص ، وإنكار عائشة إما لأنها لم تره مجتهدا ، أو لتركه التأدب مع ابن عباس حال المناظرة من رفع صوت ونحوه .

وقولها " يصيح " يشعر به . والله أعلم . وكونه لا إجماع للصحابة مع مخالفة مجتهد تابعي كذلك لا إجماع للتابعين مع مخالفة مجتهد من تابع التابعين . وإلى ذلك أشير بقوله ( أو تابعه ) أي تابع التابعي ( مع التابعين ) لأنه إذا لم ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفة مجتهد تابعي ، فلأن لا ينعقد إجماع التابعين مع مخالفة مجتهد من تابعي التابعين من باب أولى ، لكن ( لا ) يشترط لصحة الإجماع أن من لم يكن أهلا عند انعقاده ( موافقته ) على ما أجمعوا عليه إذا صار أهلا قبل انقراض عصر المجمعين . قال الشيخ تقي الدين : والضابط أن اللاحق إما أن يتأهل قبل الانقراض أو بعده ، وعلى الأول : فإما أن يوافق أو يخالف أو يسكت . قلت : سر المسألة أن المدرك لا يعتبر وفاقه ، بل يعتبر عدم خلافه إذا قلنا به انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية