الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب :

يستحب للمستأذن إذا قيل له من أنت أن يسمي نفسه : وتحريك نعليه وإظهار حسه لدخلته حتى لمنزله اشهد ( فوائد ) الأولى : يستحب للمستأذن إذا قيل له من أنت أو من هذا أن يقول فلان فيسمي نفسه بما يعرف به من اسم أو كنية ، لما في حديث الإسراء [ ص: 316 ] { ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا ؟ فقال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد } متفق عليه .

وفي حديث { أبي ذر قال خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله يمشي وحده ، فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني ، فقال من هذا ؟ فقلت أبو ذر } .

وكره للمستأذن إذا قيل من هذا أن يقول أنا ، ولا يسمي نفسه لعدم الفائدة .

وفي الصحيحين عن { جابر رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدققت الباب ، فقال من هذا ؟ فقلت أنا ، فقال أنا أنا كأنه كرهها } .

قال المروذي : قال أبو عبد الله رضي الله عنه : ما أكثر ما نلقى من الناس يدقون الباب فيقولون أنا أنا ، ألا يقول : أنا فلان .

قال في الآداب الكبرى : وليزول اللبس فيذكر ما يعرف به من كنية أو غيرها ، لقول أم هانئ : أم هانئ وقول أبي قتادة : أبو قتادة للنبي صلى الله عليه وسلم وقال عبد الله ولد الإمام : دق أبي رضي الله عنه الباب فقيل من هذا ؟ فقال أبو عبد الله .

( الثانية ) : ظن من لا تحقيق لديه من علم الآثار ، ولا له مزيد اطلاع على أسرار الأخبار ، أن علة كراهة قول المستأذن ( أنا ) مشابهة إبليس المبعود في قوله أنا خير منه .

وهذا غلط ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا في عدة أخبار ، منها قوله أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .

وخبر علي رضي الله عنه : أنا الذي سمتني أمي حيدره وحديث الصديق : أي سماء تظلني أو أي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله عز وجل بما لا يريد مع قوله تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم } { وإنما أنا نذير مبين } ولي من أبيات :

    أنا عبدك الجاني وأنت السيد
ورجاك ألحاني وأنت المقصد     يا واحدا في ملكه أنا واقف
في باب جودك بالدعا أتعبد     وإذا بحثت عن الحقيقة ألتقي
عبدا ضعيفا بالقضاء مقيد

[ ص: 317 ] والسنة طافحة بأمثال ذلك .

منها ما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أصبح منكم اليوم صائما ؟ فقال أبو بكر أنا فقال من أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ فقال أبو بكر أنا ، فقال من اتبع منكم اليوم جنازة ؟ فقال أبو بكر أنا ، قال من عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة } .

ومقتضى نص إمامنا أنه لو قال أنا فلان أو أنا أبو فلان لم يكره كما في الآداب الكبرى ، وهو عين الصواب .

ثم رأيته صحيحا .

فأخرج البخاري في الأدب المفرد وصححه الحاكم من حديث بريدة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ قال فجئت فقال من هذا قلت أنا بريدة } .

وفي الصحيح في حديث أم هانئ فقلت أنا أم هانئ .

ولذا قال النووي وغيره : ولا بأس أن يقول أنا الشيخ فلان أو القارئ فلان أو القاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا بذلك .

وإنما علة الكراهة لعدم حصول الفائدة بقوله : أنا فإنه ما زاد على أن ثم على الباب إنسانا ، وذلك حاصل بالاستئذان .

( الثالثة ) : ينبغي للمستأذن أن لا يدق الباب بعنف لنسبة فاعل ذلك عرفا إلى قلة الأدب ، لا سيما إن كان رب المنزل شيخه ، ولذا كانوا يقرعون بيوت الأشياخ بالأظافر .

وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس { أن أبواب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافر } . وأخرجه الحاكم في علوم الحديث من حديث المغيرة بن شعبة وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب ، وهو حسن لمن قرب محله من بابه ، وأما من بعد عن الباب فيقرع بحسب ما يحصل به المقصود .

التالي السابق


الخدمات العلمية