الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ عدم جواز الرواية من الكتب ] :

( و ) روي ( عن ) الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ( المنع ) ، وأنه لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره للمروي تفصيلا من حين سمعه إلى أن يؤديه .

قال ابن معين فيما رواه الخطيب : كان [ ص: 125 ] أبو حنيفة يقول : لا يحدث الرجل إلا بما يعرف ويحفظ . و ( كذا ) روي عن الإمام ( مالك ) هو ابن أنس كما أخرجه جماعة منهم الخطيب وأبو الفضل السليماني في ( الحث على طلب الحديث ) له ، واللفظ له من حديث ابن عبد الحكم ، عن أشهب بن عبد العزيز قال : سألت مالكا : أيؤخذ العلم عمن لا يحفظه - زاد الخطيب : وهو ثقة صحيح - ؟ قال : لا . قلت له : إنه يخرج كتابه ويقول : هو سماعي . قال : أما أنا فلا أرى أن يحمل عنه ، فإني لا آمن أن يكتب في كتابه - يعني ما ليس منه - زاد الخطيب : بالليل - ثم اتفقا - وهو لا يدري .

( و ) روي أيضا عن أحد أئمة الشافعية أبي بكر ( الصيدلاني ) المروزي ، ونسب للزين الكتناني من المتأخرين اختياره ، حتى كان يقول : أنا لا يحل لي أن أروي إلا حديث : (

أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب

) لأني من حين سمعته لم أنسه .

وظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أما بعد ، فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها حتى تنتهي به راحلته ، ومن خشي ألا يعيها فإني لا أحل لأحد أن يكذب علي .

وحديث أبي موسى الغافقي الذي أخرجه الحاكم في [ ص: 126 ] ( مستدركه ) بلفظ : آخر ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : ( عليكم كتاب الله ، وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني - أو كلمة تشبهها - فمن حفظ شيئا فليحدث به ) قد يشهد له .

ولذا استدل بهما الخطيب في ( الكفاية ) على وجوب التثبت في الرواية حال الأداء ، وأنه يروي ما لا يرتاب في حفظه ، ويتوقف عما عارضه الشك فيه .

وقال الحاكم عقب المرفوع : ( قد جمع هذا الحديث لفظتين غريبتين : إحداهما قوله : ( يحبون الحديث ) . والأخرى قوله : ( فمن حفظ شيئا فليحدث به ) قال : وقد ذهب جماعة من أئمة الإسلام إلى أنه ليس للمحدث أن يحدث بما لم يحفظه ) . انتهى .

وكذا يشهد له قول هشيم : من لم يحفظ الحديث فليس هو من أصحاب الحديث ، يجيء أحدهم بكتاب كأنه سجل مكاتب . ومن ثم - كما قال شيخنا - قلت الرواية عن بعض من قال بهذا مع كونه في نفس الأمر كثير الرواية .

وعلى كل حال فهو - كما قال ابن الصلاح - من مذاهب المتشددين الذين أفرطوا وباينوا بصنيعهم المتساهلين الذين فرطوا ، بحيث قالوا بالرواية بالوصية والإعلام والمناولة المجردات ، ومن النسخ التي لم تقابل ، ونحو ذلك مما بسط في محاله .

والصواب الأول ، وهو الذي عليه الجمهور ، سواء كان كتابه بيده أم بيد ثقة ضابط ، وإن اشترط بعضهم - والحالة هذه - كونه بيده ، كما سلف في أول الفروع التالية لثاني أقسام التحمل ، وسواء خرج كتابه عن يده أم لا ، إذا غلب على الظن سلامته ، وإن منع منه بعضهم كما سيأتي قريبا .

وسواء حدث من كتابه ابتداء [ ص: 127 ] أو حفظ من كتابه ثم حدث من حفظه ، لكن قد كان شعبة ربما نص على أن حفظه من كتابه لئلا يتوهم - والله أعلم - أنه حفظه من فم شيخه ابتداء . ثم إن المصنف لم يتعرض لتصويب ابن الصلاح لما ذهب إليه الأكثر ، وقد نظم ذلك بعضهم فقال :


وصوب الشيخ لقول الأكثر     وهو الصواب ليس فيه نمتري

التالي السابق


الخدمات العلمية