الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في اختلاف المتبايعين 2285 - ( عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان } رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وزاد فيه ابن ماجه : { والبيع قائم بعينه } وكذلك أحمد في رواية { والسلعة كما هي } وللدارقطني عن أبي وائل عن عبد الله قال : { إذا اختلف البيعان والبيع مستهلك فالقول قول البائع } ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولأحمد والنسائي عن أبي عبيدة : { وأتاه رجلان تبايعا سلعة ، فقال هذا : أخذت بكذا وكذا ، وقال هذا : بعت بكذا وكذا ، فقال أبو عبيدة : أتي عبد الله في مثل هذا فقال : حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا ، فأمر بالبائع أن يستحلف ، ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك } )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث روي عن عبد الله بن مسعود من طرق بألفاظ ذكر المصنف رحمه اللهبعضها ، وقد أخرجه أيضا الشافعي من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية [ ص: 265 ] عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود وقد اختلف فيه على إسماعيل بن أمية ثم على ابن جريج وقد اختلف في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه ورواه من طريق أبي عبيدة أحمد والنسائي والدارقطني وقد صححه الحاكم وابن السكن ورواه أيضا الشافعي من طريق سفيان بن عجلان عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود وفيه أيضا انقطاع ; لأن عونا لم يدرك ابن مسعود .

                                                                                                                                            ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده ، وفيه إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة ورواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود وأخرجه أيضا من طريق محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود ، ومحمد بن أبي ليلى لا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع عن أبيه ورواه ابن ماجه والترمذي من طريق عون بن عبد الله أيضا عن ابن مسعود ، وقد سبق أنه منقطع .

                                                                                                                                            قال البيهقي : وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده ورواه أيضا الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال الحافظ : ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه ورواية التراد رواها أيضا مالك بلاغا ، والترمذي وابن ماجه بإسناد منقطع ورواه أيضا الطبراني بلفظ : { البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا } قال الحافظ : رواته ثقات : لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح ، يعني : الراوي له عن فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال : وما أظنه حفظه ، فقد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول ورواه أيضا النسائي والبيهقي والحاكم من طريق عبد الرحمن بن قيس بالإسناد الذي رواه عنه أبو داود كما سلف ، وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي .

                                                                                                                                            ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده بلفظ : { إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا } رواه من هذا الوجه الطبراني والدارمي ، وقد انفرد بقوله " والسلعة قائمة " محمد بن أبي ليلى ، ولا يحتج به كما عرفت لسوء حفظه قال الخطابي : إن هذه اللفظة ، يعني : " والسلعة قائمة " لا تصح من طريق النقل مع احتمال أن يكون ذكرها من التغليب ; لأن أكثر ما يعرض النزاع حال قيام السلعة كقوله تعالى : { في حجوركم } ولم يفرق أكثر الفقهاء في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف ا هـ وأبو وائل الراوي لقوله : { والبيع مستهلك } كما في حديث الباب هو عبد الله بن بحير شيخ عبد الرزاق الصنعاني القاص ، وثقه ابن معين وقال ابن حبان : يروي العجائب التي كأنها معمولة لا يحتج به ، وليس هذا [ ص: 266 ] المذكور عبد الله بن بحير بن ريشان فإنه ثقة ، وعلى هذا فلا يقبل ما تفرد به أبو وائل المذكور .

                                                                                                                                            وأما قوله فيه : " تحالفا " فقال الحافظ : لم يقع عند أحد منهم ، وإنما عندهم { والقول قول البائع أو يترادان البيع } انتهى . قال ابن عبد البر : إن هذا الحديث منقطع إلا أنه مشهور الأصل عند جماعة تلقوه بالقبول وبنوا عليه كثيرا من فروعه ، وأعله ابن حزم بالانقطاع وتابعه عبد الحق ، وأعله هو وابن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده ، وقال الخطابي : هذا حديث قد اصطلح عليه الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلا وإن كان في إسناده مقال كما اصطلحوا على قبول { لا وصية لوارث } وإسناده فيه ما فيه ا هـ

                                                                                                                                            قوله : ( البيعان ) أي : البائع والمشتري كما تقدم في الخيار ، ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف ، وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الاختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر يرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة ، والتصريح بالاختلاف في الثمن في بعض الروايات كما وقع في الباب لا ينافي هذا العموم المستفاد من الحذف قوله : ( صاحب السلعة ) هو البائع كما وقع في التصريح به في سائر الروايات فلا وجه لما روي عن البعض أن رب السلعة في الحال هو المشتري

                                                                                                                                            وقد استدل بالحديث من قال : إن القول قول البائع إذا وقع الاختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الآخرة .

                                                                                                                                            وهذا إذا لم يقع التراضي بينهما على التراد ، فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف ، فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع ، والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج ، والتردد مع التلف ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلي وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق ، فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الاختلاف أحد فيما أعلم ، بل اختلفوا في ذلك اختلافا طويلا على حسب ما هو مبسوط في الفروع ، ووقع الاتفاق في بعض الصور والاختلاف في بعض

                                                                                                                                            وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم : { البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه } ; لأنه يدل بعمومه على أن اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعا والآخر مشتريا أو لا وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه .

                                                                                                                                            والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيا أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الاتفاق وهي حيث يكون البائع مدعيا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجية ، وحديث { إن اليمين على المدعى عليه } عزاه المصنف في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم ، وهو أيضا في صحيح [ ص: 267 ] البخاري في الرهن ، وفي باب اليمين على المدعى عليه ، وفي تفسير آل عمران وأخرجه الطبراني بلفظ { البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه } وأخرجه الإسماعيلي بلفظ { ولكن البينة على الطالب ، واليمين على المطلوب } وأخرجه البيهقي بلفظ : { لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ، ولكن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر } وهذه الألفاظ كلها في حديث ابن عباس ممن رام الترجيح بين الحديثين لم يصعب عليه ذلك بعد هذا البيان ، ومن أمكنه الجمع بوجه مقبول فهو المتعين




                                                                                                                                            الخدمات العلمية