الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويسقط المهر بقتل السيد أمته قبل الوطء ) وهذا عند أبي حنيفة وقالا عليه المهر لمولاها اعتبارا بموتها حتف أنفها ، وهذا لأن المقتول ميت بأجله وله أنه منع المبدل قبل التسليم فيجازى بمنع البدل كما إذا ارتدت الحرة وكما إذا قتل البائع المبيع قبل التسليم ، والقتل في حق أحكام الدنيا جعل إتلافا حتى وجب القصاص ، والدية فكذا في حق المهر أفاد بسقوطه أنه إذا لم يكن مقبوضا سقط عن ذمة الزوج ، وإن كان مقبوضا لزمه رد جميعه على الزوج كذا في المبسوط : وقيد بالسيد لأنه لو قتلها أجنبي لا يسقط اتفاقا وأطلق السيد فشمل الصغير ، والكبير ، وذكر في المستصفى فيه قولان ، وفي فتح القدير ولو لم يكن من أهل المجازاة بأن كان صبيا زوج أمته وصيه مثلا قالوا : يجب أن لا يسقط في قول أبي حنيفة بخلاف الحرة الصغيرة إذا ارتدت يسقط مهرها لأن الصغيرة العاقلة من أهل المجازاة على الردة بخلاف غيرها من الأفعال لأنها لم تحظر عليها ، والردة محظورة عليها ا هـ .

                                                                                        فترجح به عدم السقوط وقيد بالأمة لأن السيد لو قتل زوج أمته لم يسقط المهر اتفاقا لأنه تصرف في العاقد لا في المعقود عليه وقيد بكونه قبل الوطء لأنه لو قتلها بعده لا يسقط اتفاقا

                                                                                        وأشار بالقتل إلى كل تفويت حصل بفعل المولى فلهذا سقط المهر لو باعها وذهب بها المشتري من المصر أو أعتقها قبل الدخول فاختارت الفرقة أو غيبها بموضع لا يصل إليها الزوج كذا في التبيين وغيره ، والمراد بسقوطه في الأولى ، والثالثة سقوط المطالبة به كما صرح به في المحيط ، والظهيرية لا سقوطه أصلا لأنه لو أحضرها بعده فله المهر كما لا يخفى وأراد المصنف بالأمة القنة ، والمدبرة وأم الولد لما عرف من أن مهر المكاتبة لها لا المولى فلا يسقط بقتل المولى إياها .

                                                                                        والحاصل أن المرأة إذا ماتت فلا تخلو إما أن تكون حرة أو مكاتبة أو أمة وكل من الثلاثة إما أن تكون حتف أنفها أو بقتلها نفسها أو بقتل غيرها ، وكل من التسعة إما قبل الدخول أو بعده فهي ثمانية عشر ولا يسقط مهرها على الصحيح في الكل إلا إذا كانت أمة وقتلها سيدها قبل الدخول

                                                                                        ( قوله : لا بقتل الحرة نفسها قبله ) أي لا يسقط المهر بقتل الحرة نفسها قبل الوطء لأن جناية المرء على نفسه غير معتبرة في حق أحكام الدنيا فشابه موتها حتف أنفها ولأنها لا تملك إسقاط حقهم فصار كما إذا قال اقتلني فقتله فإنه تجب الدية بخلاف اقطع يدي فقطعها لا يجب شيء بخلاف [ ص: 214 ] قتل المولى لأنه معتبر في حق أحكام الدنيا حتى تجب الكفارة عليه ولذا لو قال المولى لغيره : اقتل عبدي فقتله لا يلزمه شيء وإنما قيد بالحرة للاختلاف في قتل الأمة نفسها ، والصحيح عدم السقوط كما في الخانية لأن المهر لمولاها ولم يوجد منه منع المبدل فلو قال المصنف : لا بقتل المرأة نفسها لكان أولى وقيد بالقتل لأن الأمة لو أبقت فلا صداق لها ما لم تحضر في قياس قول أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف كذا في الخانية ولو ارتدت المرأة عن الإسلام قبل الدخول فإن كانت حرة سقط المهر اتفاقا ، وإن كانت أمة ففي التبيين أن في السقوط روايتين

                                                                                        وفي غاية البيان وإذا ارتدت الأمة أو الحرة قبل الدخول يسقط المهر اتفاقا فكأنه لضعف رواية عدمه لم يعتبرها وحكم تقبيل ابن الزوج منهما كالردة ، وفي المحيط لو قبلت الأمة ابن زوجها قبل الدخول بها فادعى الزوج أنها قبلته بشهوة وكذبه سيدها تبين الأمة منه بإقراره ويلزمه نصف المهر لتكذيب المولى أنه كان بشهوة ا هـ .

                                                                                        وينبغي ترجيح عدم سقوطه في ردة الأمة وتقبيلها ابن الزوج قياسا على ما إذا قتلت نفسها فإن الزيلعي جعل الروايتين في الكل ، وقد صحح قاضي خان عدمه في القتل فليكن تصحيحا في الأخريين أيضا ، وهو الظاهر لأن مستحقه لم يفعل شيئا وهو المولى وما في فتح القدير من بناء الخلاف على الخلاف في أن المهر هل يجب للمولى ابتداء أو يجب لها ثم ينتقل للمولى عند الفراغ من حاجتها ضعيف لأنه ولو وجب لها ابتداء يستقر للمولى بعده فلا يسقط بفعلها على القولين كما لا يخفى

                                                                                        وأما القائل بالسقوط بقتلها نفسها علل بأن فعلها يضاف إلى المولى بدليل أنه لو قتلت إنسانا خوطب مولاها بالدفع أو الفداء ، والتقييد بقتل المرأة نفسها ليس احترازيا لأن وارثها لو قتلها قبل الدخول فإنه لا يسقط المهر أيضا لأنه بالقتل لم يبق وارثا مستحقا للمهر لحرمانه به فصار كالأجنبي إذا قتلها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وقالا عليه المهر لمولاها ) قال في النهر : ينبغي أن يقيد الخلاف بما إذا لم تكن مأذونة لحقها به دين فإن كانت لا يسقط اتفاقا لما مر من أن المهر في هذه الحالة لها يوفي منه ديونها غاية الأمر أنه إذا لم يف بدينها كان على المولى قيمتها للغرماء فيضم إلى المهر ويقسم بينهم سيأتي أنه لو أعتق المديون كان عليه قيمته فالقتل أولى [ ص: 214 ] ( قوله : وما في فتح القدير من بناء الخلاف ) قلت ما في الفتح تقدم مثله في عبارة النهر عن المحيط قبيل قول المتن وسعى المدبر ، والمكاتب ( قوله : يستقر للمولى بعده ) أي بعد وجوبه لها فهو عند الردة ، والتقبيل كان مستقرا له فلا يسقط إلا بفعل منه ، قال في النهر وبهذا عرف أن ما في غاية البيان من حكاية الاتفاق على سقوطه بالردة ضعيف .




                                                                                        الخدمات العلمية