الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4068 324 - ( حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، عن بريد بن عبد الله ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس ، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه .

                                                                                                                                                                                  قال أبو موسى : وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته ، رماه جشمي بسهم ، فأثبته في ركبته ، فانتهيت إليه فقلت : يا عم ، من رماك فأشار إلى أبي موسى فقال : ذاك قاتلي الذي رماني ، فقصدت له فلحقته ، فلما رآني ولى فاتبعته ، وجعلت أقول له : ألا تستحي ألا تثبت فكف ، فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ، ثم قلت لأبي عامر : قتل الله صاحبك ، قال : فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء ، قال : يا ابن أخي ، أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام ، وقل له : استغفر لي ، واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيرا ثم مات ، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل ، وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه ، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال : قل له استغفر لي فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال : اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ، ورأيت بياض إبطيه ثم قال : اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس فقلت : ولي ، فاستغفر فقال : اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما .
                                                                                                                                                                                  قال أبو بردة : إحداهما لأبي عامر ، والأخرى لأبي موسى ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، وبريد بضم الباء الموحدة ، وفتح الراء وكذا أبو بردة ، واسمه عامر ، وأبو موسى اسمه عبد الله بن قيس ، وبريد هنا يروي عن جده أبي بردة ، وهو يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري والحديث مضى في الجهاد مقطعا ، وفي الدعوات يأتي ، وأخرجه مسلم في الفضائل ، قوله : " بعث أبا عامر ، واسمه عبيد بن سليم بن حضار الأشعري ، وهو [ ص: 302 ] عم أبي موسى الأشعري ، وقال ابن إسحاق : هو ابن عمه ، والأول أشهر ، قوله : " على جيش " أي : أميرا عليهم ، وذلك أن هوازن بعد الهزيمة اجتمع بعضهم في أوطاس ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استئصالهم فبعثه إليهم ، قوله : " فلقي دريد بن الصمة " دريد بضم الدال مصغر الدرد بالمهملتين والراء ، والصمة بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم ابن بكر بن علقمة ، ويقال : ابن الحارث بن علقمة الجشمي بضم الجيم ، وفتح الشين المعجمة من بني جشم ابن معاوية بن بكر بن هوازن ، والصمة لقب لأبيه ، واسمه الحارث ، ودريد شاعر مشهور ، قوله : " فقتل دريد " على صيغة المجهول ، واختلف في قاتله ، فعن محمد بن إسحاق قتله ربيعة بن رفيع بضم الراء ، وفتح الفاء وبالعين المهملة ابن وهبان بن ثعلبة بن ربيعة السلمي ، وكان يقال له ابن الذعنة بمعجمة ومهملة ، ويقال بالعكس وهي أمه ، وقال ابن هشام يقال : اسمه عبد بن قبيع بن أهبان ، ويقال له أيضا ابن الدغنة ، وليس هو ابن الدغنة المذكور في قصة أبي بكر في الهجرة ، وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ، ولفظه : لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس على أكمة ، فرأوا كتيبة فقال : خلوهم فخلوهم ، فقال : هذه قضاعة ولا بأس عليكم ، ثم رأوا كتيبة مثل ذلك فقالوا : هذه سليم ، ثم رأوا فارسا وحده فقال : خلوه لي ، فقالوا : معتجر بعمامة سوداء فقال : هذا الزبير بن العوام ، وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا ، قال : فالتفت الزبير فقال : علام هؤلاء هاهنا ؟ فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة ، وحز رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه ، وكان دريد لما قتل ابن عشرين ، ويقال ابن ستين ومائة ، قوله : " قال أبو موسى : وبعثني " أي : النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي عامر ، أي : إلى من التجأ إلى أوطاس ، قوله : " فرمي " على صيغة المجهول ، قوله : " جشمي " أي : رجل جشمي ، يعني من بني جشم بضم الجيم ، وفتح الشين المعجمة ، واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق : زعموا أن سلمة بن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله .

                                                                                                                                                                                  وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه ، وقال ابن هشام : حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم ، وهما أوفى والعلاء ابنا الحارث ، فأصاب أحدهما ركبته وقتلهما أبو موسى الأشعري ، وروى الطبري في الأوسط من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل المطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه ، فقتل ابن دريد أبا عامر فعدلت إليه فقتلته وأخذت اللواء ... الحديث .

                                                                                                                                                                                  فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق ، قوله : " ولى " أي : أدبر ، قوله : " فأتبعته " ضبط بقطع الألف ، وصوابه بوصلها وتشديد التاء ; لأن معناه سرت في أثره ، ومعنى أتبعته بقطع الألف لحقته ، والمراد هنا سرت في أثره ، قوله : " فكف " أي : توقف وكف نفسه ، يتعدى ولا يتعدى ، قوله : " فنزا منه الماء " أي : انصب من موضع السهم ، وقال الكرماني : " فنزا " أي : وثب قلت : ليس كذلك ، والصواب ما ذكرناه ، قوله : " يا ابن أخي ، هذا يرد قول ابن إسحاق : إنه ابن عمه ، قوله : " مرمل " بضم الميم ، وفتح الراء وتشديد الميم ، أي : معمول بالرمال ، وهي حبال الحصير التي يظفر بها الأسرة ، قوله : " وعليه فراش " ، قال ابن التين : وأنكره الشيخ أبو الحسن ، وقال : الصواب ما عليه فراش ، فسقطت " ما " .

                                                                                                                                                                                  قيل : لا يلزم من كونه رقد على غير فراش أن لا يكون على سريره دائما فراش ، قوله : " فوق كثير من خلقك " أي : في المرتبة ، وفي رواية ابن عائذ في الأكثرين يوم القيامة من الناس ، قال الكرماني : تعميم بعد تخصيص ، قلت : بيان لقوله : " من خلقك " لأن الخلق أعم من أن يكون من الناس وغيرهم ، قوله : " قال أبو بردة " موصول بالإسناد المذكور ، قوله : " إحداهما " أي : الدعوتين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية