الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            غزوة العشيرة . وبالمهملة والعشير وبالمهملة والعشيراء وبالمهملة . ويقال ذات العشيرة والعشير ، وهو موضع ببطن ينبع ، وهو منزل الحاج المصري .

            وقد خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ابن سعد في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره .

            وقال ابن إسحاق وابن حزم وغيرهما : في جمادى الأولى ، وحمل لواءه -وكان أبيض- حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد ، وخرج في مائة وخمسين ، ويقال في مائتين ، ممن انتدب ، ولم يكره أحدا على الخروج .

            وخرجوا في ثلاثين بعيرا يعتقبونها ، يعترض عيرا لقريش ، وكان قد جاءه الخبر بفصول العير من مكة تريد الشام ، وقد جمعت قريش أموالها في تلك العير قال ابن إسحاق : فسلك على نقب بني دينار ، ثم على فيفاء الخبار ، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر ، يقال لها : ذات الساق ، فصلى عندها . فثم مسجده صلى الله عليه وسلم ، وصنع له عندها طعام ، فأكل منه ، وأكل الناس معه ، فموضع أثافي البرمة معلوم هنالك ، واستقي له من ماء به ، يقال له : المشترب ، ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك الخلائق بيسار ، وسلك شعبة يقال لها : شعبة عبد الله ، وذلك اسمها اليوم ، ثم صب لليسار حتى هبط يليل ، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة ، واستقى من بئر بالضبوعة ، ثم سلك الفرش : فرش ملل ، حتى لقي الطريق بصحيرات اليمام ، ثم اعتدل به الطريق ، حتى نزل العشيرة من بطن ينبع . فوجد العير قد مضت قبل ذلك بأيام ، وهي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام ، وكان سببها وقعة بدر الكبرى .

            قال أبو عمرو : أخذ صلى الله عليه وسلم على طريق ملل إلى العشيرة ، فأقام هناك بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا .

            [ تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بأبي تراب ]

            وفي تلك الغزوة قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما قال .

            قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن محمد بن خيثم أبي يزيد ، عن عمار بن ياسر ، قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ؛ فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها ؛ رأينا أناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم وفي نخل ؛ فقال لي علي بن أبي طالب : يا أبا اليقظان ، هل لك في أن تأتي هؤلاء القوم ، فننظر كيف يعملون ؟ قال : قلت : إن شئت ؛ قال : فجئناهم ، فنظرنا إلى عملهم ساعة ، ثم غشينا النوم . فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في صور من النخل ، وفي دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله . وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها ، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : ما لك يا أبا تراب ؟

            لما يرى عليه من التراب ، ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟

            قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه - ووضع يده على قرنه - حتى يبل منها هذه . وأخذ بلحيته
            قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض أهل العلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سمى عليا أبا تراب ، أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلمها ، ولم يقل لها شيئا تكرهه ، إلا أنه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عليه التراب عرف أنه عاتب على فاطمة ، فيقول : ما لك يا أبا تراب

            فالله أعلم أي ذلك كان .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية