الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          فصل في الآيات الكونية التي أيد الله بها رسله

                          ( وما يشبه بعضها من الكرامات ، وما يشتبه بها من خوارق العادات ، وضلال الماديين والخرافيين فيها )

                          تكلمنا في القسم الأول من هذا الحديث في آيات الأنبياء التي تسميها النصارى بالعجائب ، ويسميها علماء الكلام منا بالمعجزات ، ويعدونها قسما من خوارق العادات التي جعلوها عدة أقسام ، ونقول هنا كلمة وجيزة في إصلاح الإسلام لضلال البشر فيها ، والصعود بهم أعلى مراقي الإيمان ، اللائق بطور الرشد العقلي لنوع الإنسان ، والعلم الواسع بسنن الأكوان ، الذي منحوه برسالة محمد خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام - ، فنقول :

                          آيات الله نوعان :

                          آيات الله تعالى في خلقه نوعان : ( النوع الأول ) الآيات الجارية على سننه تعالى في نظام الخلق والتكوين ، وهي أكثرها وأظهرها وأدلها على كمال قدرته وإرادته ، وإحاطة علمه وحكمته ، وسعة فضله ورحمته . ( والنوع الثاني ) الآيات الجارية على خلاف السنن [ ص: 184 ] المعروفة للبشر وهي أقلها ، وربما كانت أدلها عند أكثر الناس على اختياره عز وجل في جميع ما خلق وما يخلق ، وكون قدرته ومشيئته غير مقيدتين بسنن الخلق التي قام بها نظام الكون ، فالسنن مقتضى حكمته وإتقانه لكل شيء خلقه ، وقد يأتي بما يخالفها لحكمة أخرى من حكمه البالغة ، ولولا هذا الاختيار لكان العالم كالآلات التي تتحرك بنظام دقيق لا علم لها ولا إرادة ولا اختيار فيه . كآلة الساعة الصغيرة التي تعرف بها أوقات الليل والنهار ، وآلات البواخر والمعامل الكثيرة ، والماديون المنكرون لوجود الخالق والفلاسفة الذين يسمونه العلة الفاعلة للوجود يعبرون عن هذا النظام بنظرية ( الميكانيكية ) وهم يتكلفون اختراع العلل والأسباب لكل ما يرونه مخالفا لسننه المعروفة ، ويسمون هذه الأمور المخالفة لها بفلتات الطبيعة ، ويقيسون ما لم يظهر لهم تعليله على ما اقتنعوا بتعليل له وإن لم يقم عليه دليل يثبته ، ويقولون : إن ما لم يظهر لنا اليوم فلا بد أن يظهر لنا أو لمن بعدنا غدا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية