الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 451 ] ( فلو نوى في ) نذر ( الأيام النهار خاصة صحت نيته ) لنيته الحقيقة ( وإن نوى بها ) أي بالأيام ( الليالي لا ) بل يلزمه كلاهما [ ص: 452 ] ( كما لو نذر اعتكاف شهر ونوى النهار خاصة أو ) نوى ( عكسه ) أي الليالي خاصة فإنه لا تصح نيته لأن الشهر اسم لمقدر يشمل الأيام والليالي فلا يحتمل ما دونه إلا أن يستثني الليالي فيختص بالنهار ، ولو استثنى الأيام صح ولا شيء عليه لما مر .

واعلم أن الليالي تابعة للأيام إلا ليلة عرفة وليالي النحر فتبع للنهر الماضية رفقا بالناس ، كما في ضحية الولوالجية .

التالي السابق


( قوله فلو نوى إلخ ) لما ذكر لزوم الليالي تبعا للأيام ولو يقيد ذلك بنيتهما أو عدمها علم أنه لا فرق ، ثم فرع عليه ما لو نوى أحدهما خاصة حيث كان في الكلام السابق إشارة إلى مخالفة حكمه له فصح التفريع فافهم ( قوله النهار ) أي جنسه وفي بعض النسخ النهر بصيغة الجمع وقيل لا يجمع كالعذاب والسراب كما في القاموس ( قوله صحت نيته ) فيلزمه الأيام بغير ليل ، وله خيار التفريق لأن القربة تعلقت بالأيام ، وهي متفرقة ، فلا يلزمه التتابع إلا بالشرط كما في الصوم ويدخل المسجد كل يوم قبل طلوع الفجر ، ويخرج بعد غروب الشمس بدائع ( قوله لنيته الحقيقة ) أي اللغوية أما العرفية ، فتشمل الليالي كما قدمناه وإذا كان للفظ حقيقة لغوية وحقيقة عرفية ينصرف عند الإطلاق عند أهل العرف إلى العرفية كما نصوا عليه فلذا احتاج إلى النية إذا أريد به الحقيقة اللغوية ، وبه اندفع ما أورد من أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة ونية ، وأفاد في البدائع أن العرف أيضا في استعمال اللغوية باق فصحت نيته ا هـ فكان العرف مشتركا والظاهر أن الأكثر استعمال خلاف اللغوي ، فلذا انصرف إليه عند الإطلاق واحتاج اللغوي إلى النية ( قوله لا ) أي لا تصح نيته لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه بحر .

والحاصل أنه إما أن يأتي بلفظ المفرد أو المثنى أو المجموع ، وكل من الثلاثة إما أن يكون اليوم أو الليل وكل من الستة إما أن ينوي الحقيقة أو المجاز أو ينويهما أو لم تكن له نية فهي أربعة وعشرون وعلمت حكم المثنى والمجموع بأقسامهما بقي المفرد فلو نذر اعتكاف يوم لزمه فقط نواه أو لم ينو وإن نوى الليلة معه لزماه ، ولو نذر [ ص: 452 ] اعتكاف ليلة لم يصح ما لم ينو بها اليوم كما مر وتمامه في البحر ( قوله اعتكاف شهر ) أي بأن أتى بلفظة شهر أما لو قال ثلاثين يوما فهو ما مر ( قوله لما مر ) أي أول الباب من قوله لعدم محليتها ح أي فإن الباقي بعد استثناء الأيام هو الليالي المجردة ، فلا يصح اعتكاف المنذور فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم ( قوله واعلم أن الليالي تابعه للأيام ) أي كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها ، ألا ترى أنه يصلي التراويح في أول ليلة من رمضان دون أول ليلة من شوال ، فعلى هذا إذا ذكر المثنى أو المجموع يدخل المسجد قبل الغروب ، ويخرج بعد الغروب من آخر يوم نذره كما صرح به في الخانية وصرح بأنه إذا قال أياما يبدأ بالنهار فيدخل المسجد قبل طلوع الفجر ا هـ فعلى هذا لا يدخل الليل في نذر الأيام إلا إذا ذكر له عددا معينا بحر ( قوله إلا ليلة عرفة إلخ ) عبارة البحر عن المحيط إلا في الحج فإنها في حكم الأيام الماضية فليلة عرفة تابعة ليوم التروية وليلة النحر تابعة ليوم عرفة ا هـ ونقل قبله عن أضحية الولوالجية الليلة في كل وقت تبع لنهار يأتي إلا في أيام الأضحى فتبع لنهار ماض رفقا بالناس . ا هـ .

قلت : وفي حج الولوالجية أيضا الليل في باب المناسك تبع للنهار الذي تقدم ولهذا لو وقف بعرفة ليلة النحر قبل الطلوع أجزأه . ا هـ .

والحاصل : أن ليلة عرفة تابعة لما قبلها في الحكم حتى صح الوقوف فيها وكذا ليلة النحر والتي تليه والتي بعدها حتى صح النحر في الليالي وجاز الرمي فيها ، والمراد أن الأفعال التي تفعل في النهار من نحر أو وقوف أو نحو ذلك من أفعال المناسك يصح فعلها في الليلة التي تلي ذلك النهار رفقا بالناس وبسبب ذلك أطلق على تلك الليلة أنها تبع لليوم الذي قبلها أي تبع له في الحكم لا حقيقة ، وإلا فكل ليلة تبع لليوم الذي بعدها ، ولذا يقال ليلة النحر لليلة التي يليها يوم النحر ، ولو كانت لليوم الذي قبلها لصارت اسما لليلة عرفة ولا يسوغ ذلك لا لغة ولا شرعا ، وحينئذ فلا يصح ما قيل إن اليوم الثالث من أيام النحر لا ليلة له وليوم التروية ليلتان إلا أن يريد من حيث الحكم وإلا لزم أنه لو نذر اعتكاف يوم التروية ويوم عرفة يجب عليه اعتكاف اليومين وثلاث ليال والظاهر أنه لا يقول به أحد فافهم .




الخدمات العلمية