الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

فحصل الترجيح لرواية من روى القران لوجوه عشرة .

أحدها : أنهم أكثر كما تقدم .

الثاني : أن طرق الإخبار بذلك تنوعت كما بيناه .

الثالث : أن فيهم من أخبر عن سماعه ولفظه صريحا ، وفيهم من أخبر عن إخباره عن نفسه بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه له بذلك ولم يجئ شيء من ذلك في الإفراد .

الرابع : تصديق روايات من روى أنه اعتمر أربع عمر لها .

الخامس : أنها صريحة لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإفراد .

السادس : أنها متضمنة زيادة سكت عنها أهل الإفراد أو نفوها ، والذاكر [ ص: 127 ] الزائد مقدم على الساكت ، والمثبت مقدم على النافي .

السابع : أن رواة الإفراد أربعة : عائشة ، وابن عمر ، وجابر ، وابن عباس ، والأربعة رووا القران ، فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم ، سلمت رواية من عداهم للقران عن معارض ، وإن صرنا إلى الترجيح ، وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ، ولا اختلفت كالبراء ، وأنس ، وعمر بن الخطاب ، وعمران بن حصين ، وحفصة ، ومن معهم ممن تقدم .

الثامن : أنه النسك الذي أمر به من ربه ، فلم يكن ليعدل عنه .

التاسع : أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي ، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي ، ثم يسوق هو الهدي ويخالفه .

العاشر : أنه النسك الذي أمر به آله وأهل بيته ، واختاره لهم ، ولم يكن ليختار لهم إلا ما اختار لنفسه .

وثمت ترجيح حادي عشر ، وهو قوله : ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) ، وهذا يقتضي أنها قد صارت جزءا منه ، أو كالجزء الداخل فيه ، بحيث لا يفصل بينها وبينه ، وإنما تكون مع الحج كما يكون الداخل في الشيء معه .

وترجيح ثاني عشر : وهو قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للصبي بن معبد وقد أهل بحج وعمرة ، فأنكر عليه زيد بن صوحان ، أو سلمان بن ربيعة ، فقال له عمر : هديت لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ، وهذا يوافق رواية عمر عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الوحي جاءه من الله بالإهلال بهما جميعا ، فدل على أن القران سنته التي فعلها ، وامتثل أمر الله له بها .

وترجيح ثالث عشر : أن القارن تقع أعماله عن كل من النسكين ، فيقع [ ص: 128 ] إحرامه وطوافه وسعيه عنهما معا ، وذلك أكمل من وقوعه عن أحدهما ، وعمل كل فعل على حدة .

وترجيح رابع عشر : وهو أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدي أفضل بلا ريب من نسك خلا عن الهدي . فإذا قرن ، كان هديه عن كل واحد من النسكين ، فلم يخل نسك منهما عن هدي ، ولهذا - والله أعلم - أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ساق الهدي أن يهل بالحج والعمرة معا ، وأشار إلى ذلك في المتفق عليه من حديث البراء بقوله : " إني سقت الهدي وقرنت " .

وترجيح خامس عشر : وهو أنه قد ثبت أن التمتع أفضل من الإفراد لوجوه كثيرة ، منها : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بفسخ الحج إليه ، ومحال أن ينقلهم من الفاضل إلى المفضول الذي هو دونه ، ومنها : أنه تأسف على كونه لم يفعله بقوله : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ) .

ومنها : أنه أمر به كل من لم يسق الهدي .

ومنها : أن الحج الذي استقر عليه فعله وفعل أصحابه القران لمن ساق الهدي ، والتمتع لمن لم يسق الهدي ، ولوجوه كثيرة غير هذه ، والمتمتع إذا ساق الهدي ، فهو أفضل من متمتع اشتراه من مكة ، بل في أحد القولين : لا هدي إلا ما جمع فيه بين الحل والحرم . فإذا ثبت هذا ، فالقارن السائق أفضل من متمتع لم يسق ، ومن متمتع ساق الهدي لأنه قد ساق من حين أحرم ، والمتمتع إنما يسوق الهدي من أدنى الحل ، فكيف يجعل مفرد لم يسق هديا ، أفضل من متمتع ساقه من أدنى الحل ؟ فكيف إذا جعل أفضل من قارن ساقه من الميقات ، وهذا بحمد الله واضح .

التالي السابق


الخدمات العلمية