الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وليس إجماع الأمم الخالية ) حجة عند المجد من أصحابنا وأكثر العلماء . قال أبو إسحاق الشيرازي : هذا قول الأكثر . وصرح به الآمدي وغيره . وقال أبو إسحاق الإسفراييني [ ص: 232 ] وبعض الشافعية : إنه كان حجة قبل النسخ . وقال إمام الحرمين : إن كان سندهم قطعيا فحجة ، أو ظنيا فالوقف . وقال أبو المعالي : إن قطع أهل الإجماع من كل أمة بقولهم : فهو حجة ، لاستناده إلى قاطع في العادة ، والعادة لا تختلف باختلاف الأمم . وإلا لكان مستنده مظنونا . والوجه الوقف ( و ) كذا ( لا ) يكون إجماع ( أهل المدينة حجة ) مع مخالفة مجتهد عند جماهير العلماء ; لأنهم بعض الأمة ، لا كلها ; لأن العصمة من الخطإ إنما تنسب للأمة كلها ، ولا مدخل للمكان في الإجماع ; إذ لا أثر لفضيلته في عصمة أهله ، بدليل مكة المشرفة .

وخالف في ذلك الإمام مالك رضي الله عنه . واحتج بأن القول الباطل خبث ، والخبث منفي عن المدينة بقول الصادق . { وإذا انتفى الباطل بقي الحق } . فوجب اتباعه . فقال بعض أصحابه بظاهره . وكذلك أطلق كثير من العلماء القول به عن مالك ، لكن قال بعضهم : ذلك في زمن الصحابة والتابعين . وعليه جرى ابن الحاجب وغيره . وقال بعضهم : في زمن الصحابة والتابعين ومن يليهم . ذكره المجد ( ولا قول الخلفاء الأربعة ) وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم أجمعين يكون إجماعا ، ولا حجة مع مخالفة مجتهد . وهذا المعتمد عند الأئمة ; لأنهم ليسوا كل الأمة الذين جعلت الحجة في قولهم . وعن الإمام أحمد رضي الله عنه : رواية أخرى : أن قولهم إجماع وحجة . اختاره ابن البنا من أصحابنا ، وأبو خازم - بالمعجمتين - وكان قاضيا حنفيا . وحكم بذلك زمن المعتضد في توريث ذوي الأرحام . فأنفذ حكمه . وكتب به إلى الآفاق . ولم يعتبر خلاف زيد في ذلك ، بناء على أن الخلفاء الأربعة يورثونهم . واستدل للأول بأن ابن عباس خالف جميع الصحابة في خمس مسائل في الفرائض ، وابن مسعود في أربع مسائل . وغيرهما في غير ذلك . ولم يحتج عليهم أحد بإجماع الخلفاء الأربعة ( ولا ) قول ( أهل البيت ، و ) أهل البيت ( هم : علي وفاطمة ) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ونجلاهما ) هما حسن وحسين ( رضي الله تعالى عنهم ) لما في الترمذي { أنه لما نزل قوله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } أدار النبي [ ص: 233 ] صلى الله عليه وسلم الكساء . وقال : هؤلاء أهل بيتي وخاصتي . اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا } ( بإجماع ، ولا حجة مع مخالفة مجتهد ) عند الأئمة الأربعة وغيرهم ، للأدلة العامة في ذلك وغيره . وقال القاضي في المعتمد وبعض العلماء والشيعة : إن قول أهل البيت إجماع . والمراد بالشيعة من ينسب إلى حب علي رضي الله عنه ، ويزعم أنه من شيعته . وقد كان في الأصل لقبا للذين ألفوه في حياته . كسلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمار . وغيرهم رضي الله عنهم ، ثم صار لقبا بعد ذلك على من يرى تفضيله على كل الصحابة ، ويرى أمورا أخرى لا يرضاها علي رضي الله عنه ، ولا أحد من ذريته ولا غيرهم ممن يقتدى به ، ثم تفرقوا فرقا كثيرة . وهؤلاء هم المراد بإطلاق الأصوليين وغيرهم " الشيعة " ( وما عقده أحد ) الخلفاء ( الأربعة من صلح ) كصلح بني تغلب ( و ) من ( خراج ) كعقد خراج السواد ( و ) من ( جزية ) وما جرى مجرى ذلك لا يجوز نقضه عند الأكثر .

ونقله ابن عقيل عن الأصحاب ، وقال أيضا : ويجوز ذلك إذا رأى ذلك الإمام . فيكون حكمه حكم رأيه في جميع المسائل ; لأن المصالح تختلف باختلاف الأزمنة . قلت : وهذا الصحيح عند أصحابنا المتأخرين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية