الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في إمامة الجالس

                                                                                                                                                                                        واختلف في إمامة المريض جالسا بالجواز والمنع، واختلف بعد القول بالإجزاء هل يصلي الناس خلفه قياما أو جلوسا، فمنع مالك ذلك مرة وقال: إن نزل به -وهو إمام- أمر حتى صار لا يستطيع أن يصلي إلا وهو جالس استخلف ورجع إلى الصف .

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف وابن الماجشون : إن صلى بهم أعاد من ائتم به وإن ذهب الوقت .

                                                                                                                                                                                        وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز إمامة الجالس وهم قيام ، وأجاز ذلك أشهب في مدونته وقال أحمد بن المعذل: لا ينبغي ذلك; لأنهم إن جلسوا معه لم آمن أن يكون مخالفا لما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ائتم به أبو بكر وائتم الناس بأبي بكر - رضي الله عنه - ، وإن قاموا كان خلافا لما جاء أنهم صلوا معه جلوسا ، [ ص: 315 ] فأحب إلي أن يعتزل الإمامة.

                                                                                                                                                                                        وروي عن أبي هريرة وجابر وأسيد بن حضير وقيس بن قهد - رضي الله عنهم - أنهم قالوا: يصلون خلفه جلوسا. وبه قال أحمد بن حنبل والأوزاعي.

                                                                                                                                                                                        وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                        أحدها: حديث أنس قال: ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا، فصرع عنه فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعودا، ثم قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا. . ." الحديث.

                                                                                                                                                                                        والحديث الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ثقل به مرضه قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، ثم وجد من نفسه خفة، فجاء المسجد فجلس إلى جنب أبي بكر، فصلى قاعدا وأبو بكر والناس قياما، فصلى أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس بصلاة أبي بكر" .

                                                                                                                                                                                        وفي حديث آخر قالت: " يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس بصلاة [ ص: 316 ] أبي بكر" ، أخرجه " البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        وفي مسلم: قالت عائشة - رضي الله عنها -: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس جالسا وأبو بكر يصلي قائما يقتدي بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -" .

                                                                                                                                                                                        والثالث: ما روي عنه - عليه السلام - أنه قال: " لا يؤمن أحد بعدي جالسا" ، ولم يثبت وإذا لم يثبت هذا الحديث، وثبت نسخ حديث أنس بحديث عائشة- كان الصواب جواز إمامته، ويصلي الناس خلفه قياما.

                                                                                                                                                                                        واختلف في إمامة المريض للمرضى وأن تجوز أحسن. [ ص: 317 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية