الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ) : لما ذكر متخذي الأنداد ذكر أن عبادتهم لهم وإفناء أعمارهم في طاعتهم ، معتقدين أنهم سبب نجاتهم ، لم تغن شيئا ، وأنهم حين صاروا أحوج إليهم ، تبرءوا منهم . و " إذ " : بدل من : " إذ يرون العذاب " . وقيل : معمولة لقوله : " شديد العذاب " . وقيل : لمحذوف تقديره اذكروا الذين اتبعوا ، هم رؤساؤهم وقادتهم الذين اتبعوهم في أقوالهم وأفعالهم ، قاله ابن عباس وعطاء وأبو العالية وقتادة والربيع ومقاتل والزجاج ، أو الشياطين الذين كانوا يوسوسون ويرونهم الحسن قبيحا والقبيح حسنا ، قاله الحسن وقتادة أيضا والسدي ; أو عام في كل متبوع ، وهو الذي يدل عليه ظاهر اللفظ . وقراءة الجمهور : " اتبعوا " الأول مبنيا للمفعول ، والثاني مبنيا للفاعل . وقراءة مجاهد بالعكس . فعلى قراءة الجمهور : تبرأ المتبوعون بالندم على الكفر ، أو بالعجز عن الدفع ، أو بالقول : إنا لم نضل هؤلاء ، بل كفروا بإرادتهم وتعلق العقاب عليهم بكفرهم ، ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على من أضلهم . أقوال ثلاثة ، الأخير أظهرها ، وهو أن يكون التبرؤ بالقول . قال تعالى : ( تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ) . وتبرؤ التابعين هو انفصالهم عن متبوعيهم والندم على عبادتهم ، إذ لم يجد عنهم يوم القيامة شيئا ، ولم يدفع عنهم من عذاب الله ، ورأوا العذاب ، الظاهر أن هذه الجملة ، هي وما بعدها ، قد عطفتا على تبرأ ، فهما داخلان في حيز الظرف . وقيل : الواو للحال فيهما ، والعامل تبرأ ، أي تبرءوا في حال رؤيتهم العذاب وتقطع الأسباب بهم ، لأنها حالة يزداد فيها الخوف والتنصل ممن كان سببا في العذاب . وقيل : الواو للحال في : " ورأوا العذاب " ، وللعطف في : " وتقطعت " على تبرأ ، وهو اختيار الزمخشري .

( وتقطعت بهم الأسباب ) : كناية عن أن لا منجى لهم من العذاب ، ولا مخلص ، ولا تعلق بشيء يخلص من عذاب الله ، وهو عام في كل ما يمكن أن يتعلق به . وللمفسرين في الأسباب أقوال : الوصلات عن قتادة ، والأرحام عن ابن عباس وابن جريج ، أو الأعمال المتلزمة عن ابن زيد والسدي ، أو العهود عن مجاهد وأبي روق ، أو وصلات الكفر ، أو منازلهم من الدنيا في الجاه عن ابن عباس ، أو أسباب النجاة ، أو المودات . والظاهر دخول الجميع في الأسباب ; لأنه لفظ عام . وفي هذه الجمل من أنواع البديع نوع يسمى الترصيع ، وهو أن يكون الكلام مسجوعا كقوله تعالى : ( ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ) ، وهو في القرآن كثير ، وهو في هذه الآية في موضعين . أحدهما : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ) ، وهو محسن الحذف لضمير الموصول في قوله : " اتبعوا " ، إذ لو جاء اتبعوهم ، لفات هذا النوع من البديع . والموضع الثاني : ( ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ) ، ومثال ذلك في الشعر قول أبي الطيب :

[ ص: 474 ]

في تاجه قمر في ثوبه بشر في درعه أسد تدمى أظافره



وقولنا من قصيد عارضنا به بانت سعاد :


فالنحر مرمرة والنشر عنبرة     والثغر جوهرة والريق معسول



( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ) ، المعنى : أنهم تمنوا الرجوع إلى الدنيا حتى يطيعوا الله ويتبرءوا منهم في الآخرة إذا حشروا جميعا ، مثل ما تبرأ المتبوعون أولا منهم . ولو هنا : للتمني . قيل : وليست التي لما كان سيقع لوقوع غيره ، ولذلك جاء جوابها بالفاء في قوله : ( فنتبرأ ) ، كما جاء جواب ليت في قوله : ( ياليتني كنت معهم فأفوز ) ، وكما جاء في قول الشاعر :


فلو نبش المقابر عن كليب     فتخبر بالذنائب أي زير



والصحيح أن لو هذه هي التي لما كان سيقع لوقوع غيره ، وأشربت معنى التمني ، ولذلك جاء بعد هذا البيت جوابها ، وهو قوله :


بيوم الشعثمين لقر عينا     وكيف لقاء من تحت القبور



وأن مفتوحة بعد لو ، كما فتحت بعد ليت في نحو قوله :


يا ليت أنا ضمنا سفينه     حتى يعود البحر كينونه



وينبغي أن يستثنى من المواضع التي تنتصب بإضمار أن بعد الجواب بالفاء ، وأنها إذا سقطت الفاء انجزم الفعل هذا الموضع ; لأن النحويين إنما استثنوا جواب النفي فقط ، فينبغي أن يستثنى هذا الموضع أيضا ; لأنه لم يسمع الجزم في الفعل الواقع جوابا للو التي أشربت معنى التمني إذا حذفت الفاء ; والسبب في ذلك أن كونها مشربة معنى التمني ليس أصلها ، وإنما ذلك بالحمل على حرف التمني الذي هو ليت ، والجزم في جواب ليت بعد حذف الفاء ، إنما هو لتضمنها معنى الشرط ، أو دلالتها على كونه محذوفا بعدها ، على اختلاف القولين ، فصارت لو فرع فرع ، فضعف ذلك فيها . والكاف في " كما " في موضع نصب ، إما نعتا لمصدر محذوف ، أو على الحال من ضمير المصدر المحذوف على القولين السابقين ، في غيرما موضع من هذا الكتاب . وما في " كما " مصدرية ، التقدير : تبرءوا مثل تبرئهم أو فنتبرأه ، أي فنتبرأ التبرؤ مشابها لتبرئهم . وقال ابن عطية : الكاف من قوله " كما " في موضع نصب على النعت ، إما لمصدر أو لحال ، تقديرها : متبرئين كما ، انتهى كلامه . أما قوله على النعت إما لمصدر فهو كلام واضح ، وهو الإعراب المشهور في مثل هذا . وأما قوله : أو لحال ، تقديرها : متبرئين كما - فغير واضح ، لأنا لو صرحنا بهذه الحال ، لما كان كما منصوبا على النعت لمتبرئين ; لأن الكاف الداخلة على ما المصدرية هي من صفات الفعل ، لا من صفات الفاعل . وإذا كان كذلك ، لم ينتصب على النعت للحال ; لأن الحال هنا من صفات الفاعل ، ولا حاجة لتقدير هذه الحال ، لأنها إذ ذاك تكون حالا مؤكدة ، ولا نرتكب كون الحال مؤكدة إلا إذا كانت ملفوظا بها ، أما أن تقدر حالا ونجعلها مؤكدة ، فلا حاجة إلى ذلك . وأيضا فالتوكيد ينافي الحذف ; لأن ما جيء به لتقوية الشيء لا يجوز حذفه أيضا . فلو صرح بهذه الحال لما ساغ في كما إلا أن تكون نعتا لمصدر محذوف ، أو حالا من الضمير المستكن في الحال المصرح بها ، مثال ذلك : هم محسنون إلي كما أحسنوا إلى زيد ، فكما أحسنوا ليس من صفات محسنين ، إنما هو من صفات الإحسان ، التقدير على الإعراب المشهور إحسانا مثل إحسانهم إلى زيد .

( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ) : الكاف عند بعضهم في موضع رفع ، وقدروه الأمر كذلك ، أو حشرهم كذلك ، وهو ضعيف ; لأنه يقتضي زيادة الكاف وحذف مبتدأ ، وكلاهما على خلاف الأصل . والظاهر أن الكاف على بابها من التشبيه ، وأن التقدير : [ ص: 475 ] مثل إراءتهم تلك الأهوال ، ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ، فيكون نعتا لمصدر محذوف ، فيكون في موضع نصب . وجعل صاحب المنتخب ذلك من قوله : " كذلك " ، إشارة إلى تبرؤ بعضهم من بعض . والأجود تشبيه الإراءة بالأراءة ، وجوزوا في يريهم أن تكون بصرية عديت بالهمزة ، فتكون " حسرات " منصوبا على الحال ، وأن تكون قلبية ، فتكون مفعولا ثالثا ، قالوا : ويكون ثم حذف مضاف ، أي على تفريطهم . وتحسر : يتعدى بعلى ، تقول : تحسرت على كذا ، فعلى هنا متعلقة بقوله : " حسرات " . ويحتمل أن تكون في موضع الصفة ، فالعامل محذوف ، أي حسرات كائنة عليهم ، وعلى تشعر بأن الحسرات مستعلية عليهم . و " أعمالهم " ، قيل : هي الأعمال التي صنعوها ، وأضيفت إليهم من حيث عملوها ، وأنهم مأخوذون بها . وهذا على قول من يقول : إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، وهذا معنى قول الربيع وابن زيد : أنها الأعمال السيئة التي ارتكبوها ، فوجب بهم بها النار . وقال ابن مسعود والسدي : المعنى أعمالهم الصالحة التي تركوها ، ففاتتهم الجنة ، وأضيفت إليهم من حيث كانوا مأمورين بها . قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إلى بيوتهم فيها ، لو أطاعوا الله تعالى ، فيقال لهم : تلك مساكنكم لو أطعتم الله تعالى ، ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم ، فذلك حين يندمون . وهذا معنى قول بعضهم ، إن أعمالهم قد أحبط ثوابها كفرهم ; لأن الكافر لا يثاب مع كفره . ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكر له أن ابن جدعان كان يصل الرحم ويطعم المسكين ، وسئل : هل ذلك نافعه ؟ قال : " لا ينفعه ، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " ، ومنه قوله تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) . وقيل : المعنى أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والانقياد لأمرهم . والظاهر أنها الأعمال التي اتبعوا فيها رؤساءهم وقادتهم ، وهي الكفر والمعاصي . وكانت حسرة عليهم ; لأنهم رأوها مسطورة في صحائفهم ، وتيقنوا الجزاء عليها ، وكان يمكنهم تركها والعدول عنها ، لو شاء الله .

( وما هم بخارجين من النار ) : هذا يدل على دخول النار ، إذ لا يقال : ما زيد بخارج من كذا إلا بعد الدخول . ولم يتقدم في الآية نص على دخولهم ، إنما تقدم رؤيتهم العذاب ومفاوضة بسبب تبرؤ المتبوعين من الأتباع ، وجاء الخبر مصحوبا بالباء الدالة على التوكيد . وقال الزمخشري : هم بمنزلته في قوله :


هم يفرشون اللبد كل طمره



في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم ، لا على الاختصاص . انتهى كلامه ، وفيه دسيسة اعتزال ; لأنه إذا لم يدل على الاختصاص ، لا يكون فيه رد لقول المعتزلة ، إن الفاسق يخلد في النار ولا يخرج منها . وأما قول صاحب المنتخب : إن الأصحاب احتجوا على أن صاحب الكبيرة من أهل القبلة ، إلى آخر كلامه ، فهو غير مسلم ، ولا دلالة في الآية على شيء من المذهبين ; لأنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، وإن " ما " في ذلك دلالة على نفي انطلاق زيد ، وأما أن في ذلك دلالة على اختصاصه بنفي الانطلاق ، أو مشاركة غيره له في نفي الانطلاق ، فلا إنما يفهم ذلك ، أعني الاختصاص بنفي الخروج من النار ، إذ المشاركة في ذلك من دليل خارج ، وهل النفي إلا مركب على الإيجاب ؟ فإذا قلت : زيد منطلق ، فليس في هذا دليل على شيء من الاختصاص ، ولا شيء من المشاركة ، فكذلك النفي ، وكونه قابلا للخصومة والاشتراك ، يدل على ذلك . ألا ترى أنك تقول : زيد منطلق لا غيره ، وزيد منطلق مع غيره ؟

( وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة ) إخباره تعالى بأن الصفا والمروة من معالمه التي جعلها محملا لعبادته ، وإن كان قد سبق غشيان المشركين لها ، وتقربهم بالأصنام عليها . وصرح برفع الإثم عمن طاف بهما ممن حج أو اعتمر . ثم ذكر أن من تبرع بخير ، فإن الله شاكر لفعله ، عليم بنيته ، لما كان التطوع يشتمل على فعل ونية ، ختم بهاتين الصفتين المتناسبتين . ثم أخبر تعالى عمن كتم ما أنزل الله من [ ص: 476 ] الحكم الإلهي من بعد ما بينه في كتابه لعنه الله وملائكته ومن يسوغ منه اللعن من صالحي عباده . ثم استثنى من تاب وأصلح ، وبين ما كتم . ولم يكتف بالتوبة فقط حتى أضاف إليها الإصلاح ; لأن كتم ما أنزل الله من أعظم الإفساد ، إذ فيه حمل الناس على غير المنهج الشرعي . وأضاف التبيين لما كتم حتى يتضح للناس وضوحا بينا ما كان عليه من الضلال ، وأنه أقلع عن ذلك ، وسلك نقيض فعله الأول ، فكان ذلك أدعى لزوال ما قرر أولا من كتمان الحق ، وبضدها تتبين الأشياء ، ثم أخبر تعالى عن هؤلاء المستثنين أنه يتوب عليهم ، وأنه تعالى لا يتعاظم عنده ذنب ، وإن كان أعظم الذنوب ، إذا تاب العبد منه . ثم أخبر تعالى أنه التواب الرحيم ، بصفتي المبالغة التي في فعال وفعيل . ولما ذكر تعالى حال المؤمنين المتسمين بالصبر والصلاة والحج ، وغير ذلك من أعمال البر ، وحال من ارتكب المعاصي ، ثم أقلع عن ذلك وتاب إلى الله . ذكر حال من وافى على الكفر ، وأنه تحت لعنة الله وملائكته والناس ، وأنهم خالدون في اللعنة ، غير مخفف عنهم العذاب ، ولا مرجؤن إلى وقت . ثم لما كان كفر معظم الكفار إنما هو لاتخاذهم مع الله آلهة " أجعل الآلهة إلها واحدا " ؟ " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ؟ " وقالت اليهود عزير ابن الله " ، وفي الحديث : " أنهم يسألون فيقولون كنا نعبد عزيرا .

أخبر تعالى أن الإله هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ ، ولا له مثيل في صفاته . ثم حصر الإلهية فيه ، فتضمن ذلك أنه هو المثيب المعاقب ، فوصف نفسه بهاتين الصفتين من الرحمانية والرحيمية . ثم أخذ في ذكر ما يدل على الوحدانية والانفراد بالإلهية . فبدأ بذكر اختراع الأفلاك العلوية ، والجرم الكثيف الأرضي ، وما يكون فيهما من اختلاف ما به السكون والحركة ، من الليل والنهار الناشئين عما أودع الله تعالى في العالم العلوي ، واختلاف الفلك ذاهبة وآيبة بما ينفع الناس الناشئ ذلك عما أودع في العالم السفلي ، وما يكون مشتركا بين العالمين ، من إنزال الماء ، وتشقق الأرض بالنبات ، وانتشار العالم فيها . ولما ذكر أشياء في الأجرام العلوية ، وأشياء في الجرم الأرضي ، ذكر شيئا مما هو بين الجرمين ، وهو تصريف الرياح والسحاب ، إذ كان بذلك تتم النعمة المقتضية لصلاح العالم في منافعهم البحرية والبرية . ثم ذكر أن هذا كله هي آيات للعاقل ، تدله على وحدانية الله تعالى واختصاصه بالإلهية ، إذ من عبدوه من دون الله يعلمون قطعا أنه لا يمكنه اقتدار على شيء ما مما تضمنته هذه الآيات ، وأنهم بعض ما حوته الدائرة العلوية والدائرة السفلية ، وأن نسبتهم إلى من لم يعبدوه من سائر المخلوقات نسبة واحدة في الافتقار والتغير ، فلا مزية لهم على غيرهم إلا عند من سلب نور العقل ، وغشيته ظلمات الجهل .

ثم ذكر تعالى ، بعد ذكر هذه البينات الواضحات الدالة على الوحدانية واستحقاق العبادة ، أن من الناس متخذي أنداد ، وأنهم يؤثرونهم ويحبونهم مثل محبة الله ، فهم يسوون بين الخالق والمخلوق في المحبة ، " أفمن يخلق كمن لا يخلق " . ثم ذكر أن من المؤمنين أشد حبا لله من هؤلاء لأصنامهم . ثم خاطب من خاطب بقوله : " ولو يرى الذين ظلموا " ، حين عاينوا نتيجة اتخاذهم الأنداد ، وهو العذاب الحال بهم ، أي : لرأيت أمرا عظيما . ثم نبه على أن أندادهم لا طاقة لها ولا قوة بدفع العذاب عمن اتخذوهم ; لأن جميع القوى والقدر هي لله تعالى . ثم ذكر تعالى تبرؤ المتبوعين من التابعين وقت رؤية العذاب وزالت المودات التي كانت بينهم ، وأن التابعين تمنوا الرجوع إلى الدنيا حتى يؤمنوا ويتبرءوا من متبوعيهم حيث لا ينفع التمني ولا يمكن أن يقع ، فهو تمن مستحيل ; لأن الله تعالى قد حكم وأمضى أن لا عودة إلى الدنيا . ثم ذكر تعالى أنهم بعد رؤيتهم العذاب وتقطع الأسباب ، أراهم أعمالهم ندامات حيث لا ينفع الندم ، ليتضاعف بذلك الألم . ثم ختم ذلك بما ختم لهم من العذاب السرمدي والشقاء الأبدي . نعوذ بالله من [ ص: 477 ] سطا نقماته ، ونستنزل من كرمه العميم نشر رحماته .

التالي السابق


الخدمات العلمية