الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله 2294 - ( عن أبي هريرة قال : { كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل ، فجاء يتقاضاه ، فقال : أعطوه ، فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ، فقال : أعطوه ، فقال : أوفيتني أوفاك الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن خيركم أحسنكم قضاء } ) .

                                                                                                                                            2295 - ( وعن جابر قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي عليه دين ، فقضاني وزادني } متفق عليهما ) .

                                                                                                                                            2296 - ( وعن أنس وسئل : الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك } رواه ابن ماجه )

                                                                                                                                            2297 - ( وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أقرض فلا يأخذ هدية } رواه البخاري في تاريخه ) [ ص: 275 ]

                                                                                                                                            2298 - ( وعن أبي بردة بن أبي موسى قال : قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي : إنك بأرض فيها الربا فاش ، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا رواه البخاري في صحيحه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول ، وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد ، والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف قوله : ( سن ) أي : جمل له سن معين وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه أيضا دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه وإنصافه وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح { أن الرجل أغلظ على النبي صلى الله عليه وسلم فهم به أصحابه ، فقال : دعوه فإن لصاحب الحق مقالا } كما تقدم ، وفيه دليل على جواز قرض الحيوان ، وقد تقدم الخلاف في ذلك وفيه جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد ، وبه قال الجمهور وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم يجز ، وإن كانت بالوصف جازت ، ويرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب ، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم زاده ، والظاهر أن الزيادة كانت في العدد وقد ثبت في رواية للبخاري أن الزيادة كانت قيراطا

                                                                                                                                            وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقا ، ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل القضاء ; لأنها بمنزلة الرشوة فلا تحل كما يدل على ذلك حديثا أنس المذكوران في الباب وأثر عبد الله بن سلم والحاصل أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنفيس في أجل الدين ، أو لأجل رشوة صاحب الدين ، أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم ; لأنه نوع من الربا أو رشوة وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس ، وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر ، بل هو مستحب

                                                                                                                                            قال المحاملي وغيره من الشافعية : يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك ، يعني : قوله : { إن خيركم أحسنكم قضاء } ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ : { كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا } ورواه في السنن الكبرى ، عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن [ ص: 276 ] سلام وابن عباس موقوفا عليهم ورواه الحارث بن أبي أسامة من حديث علي عليه السلام بلفظ : { إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة } وفي رواية : { كل قرض جر منفعة فهو ربا } وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك قال عمر بن زيد في المغني : لم يصح فيه شيء

                                                                                                                                            ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا : إنه صح ، ولا خبرة لهما بهذا الفن ، وأما إذا قضى المقترض المقرض دون حقه وحلله من البقية كان ذلك جائزا وقد استدل البخاري على جواز ذلك بحديث جابر في دين أبيه ، وفيه : " فسألتهم أن يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي " وفي رواية للبخاري أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل له غريمه في ذلك قال ابن بطال : لا يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة ، ولو حلله من جميع الدين جاز عند العلماء ، فكذلك إذا حلله من بعضه ا هـ . قوله : ( أو حمل قت ) بفتح القاف وتشديد التاء المثناة وهو الجاف من النبات المعروف بالفصفصة بكسر الفاءين وإهمال الصادين ، فما دام رطبا فهو الفصفصة ، فإذا جف فهو القت ، والفصفصة : هي القضب المعروف ، وسمي بذلك ; لأنه يجز ويقطع ، والقت كلمة فارسية عربت ، فإذا قطعت الفصفصة كبست وضم بعضها إلى بعض إلى أن تجف وتباع لعلف الدواب كما في بلاد مصر ونواحيها .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية