الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أرسل محمد بن ياقوت حاجب الخليفة رسولا إلى أبي طاهر القرمطي يدعوه إلى طاعة الخليفة ، ليقره على ما بيده من البلاد ، ويقلده بعد ذلك ما شاء من البلدان ، ويحسن إليه ، ويلتمس منه أن يكف عن الحاج جميعهم ، وأن يرد الحجر الأسود إلى موضعه بمكة ، فأجاب أبو طاهر إلى أنه لا يتعرض للحاج ، ولا يصيبهم بمكروه ، ولم يجب إلى رد الحجر الأسود إلى مكة ، وسأل أن يطلق له الميرة من البصرة ليخطب في أعمال هجر ، فسار الحاج إلى مكة وعاد ولم يتعرض لهم القرامطة .

[ ص: 30 ] وفيها في ذي القعدة عزم محمد بن ياقوت على المسير إلى الأهواز ; لمحاربة عسكر مرداويج ، فتقدم إلى الجند الحجرية والساجية بالتجهز للمسير معه ، وبذل مالا يتجهزون به ، فامتنعوا وتجمعوا وقصدوا دار محمد بن ياقوت ، فأغلظ لهم في الخطاب ، فسبوا ، ورموا داره بالحجارة ، ولما كان الغد قصدوا داره أيضا ، وأغلظوا له في الخطاب ، وقاتلوا من بداره من أصحابه ، فرماهم أصحابه وغلمانه بالنشاب ، فانصرفوا وبطلت الحركة إلى الأهواز .

وفيها سار جماعة من أصحاب أبي طاهر القرمطي إلى نواحي توج في مراكب ، وخرجوا منها إلى تلك الأعمال ، فلما بعدوا عن المراكب ، أرسل الوالي في البلاد إلى المراكب وأحرقها ، وجمع الناس وحارب القرامطة ، فقتل بعضا ، وأسر بعضا فيهم ابن الغمر ، وهو من أكابر دعاتهم ، وسيرهم إلى بغداذ ( أيام القاهر ) ، فدخلوها مشهورين ، وسجنوا ، وكان من أمرهم ما ذكرناه في خلع القاهر .

وفيها قتل القاهر بالله إسحاق بن إسماعيل النوبختي ، وهو الذي أشار باستخلافه ، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه ، وقتل أيضا أبا السرايا بن حمدان ، وهو أصغر ولد أبيه ، وسبب قتلهما أنه أراد أن يشتري مغنيتين قبل أن يلي الخلافة ، فزاد عليه في ثمنهما ، فحقد ذلك عليهما ، فلما أراد قتلهما استدعاهما للمنادمة ، فتزينا وتطيبا ، وحضرا عنده ، فأمر بإلقائهما إلى بئر في الدار وهو حاضر ، فتضرعا وبكيا ، فلم يلتفت إليهما وألقاهما فيها وطمها عليهما .

وفيها أحضر أبو بكر بن مقسم ببغداذ في دار سلامة الحاجب ، وقيل له إنه قد ابتدع قراءة لم تعرف ، وأحضر ابن مجاهد والقضاة والقراء وناظروه ، فاعترف بالخطأ وتاب منه ، وأحرقت كتبه .

[ ص: 31 ] وفيها سار الدمستق قرقاش في خمسين ألفا من الروم ، فنازل ملطية وحصرها مدة طويلة ، وهلك أكثر أهلها بالجوع ، وضرب خيمتين على إحداهما صليب ، وقال : من أراد النصرانية ، انحاز إلى خيمة الصليب ليرد عليه أهله وماله ، ومن أراد الإسلام ، انحاز إلى الخيمة الأخرى ، وله الأمان على نفسه ، ونبلغه مأمنه ، فانحاز أكثر المسلمين إلى الخيمة التي عليها الصليب ، طمعا في أهليهم وأموالهم ، وسير مع الباقين بطريقا يبلغهم مأمنهم ، وفتحها بالأمان مستهل جمادى الآخرة يوم الأحد ، وملكوا سميساط ، وخربوا الأعمال وأكثروا القتل ، وفعلوا الأفاعيل الشنيعة ، وصار أكثر البلاد في أيديهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية