الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ أمر أبي دجانة ]

            وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام إليه رجال ، فأمسكه عنهم ؛ حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة ، أخو بني ساعدة ، فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : أن تضرب به العدو حتى ينحني ، قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه ، فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، إذا كانت ، وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء ، فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل ؛ فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك ، فعصب بها رأسه ، وجعل يتبختر بين الصفين .

            قال ابن إسحاق : فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، عن رجل من الأنصار من بني سلمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين رأى أبا دجانة يتبختر : إنها لمشية يبغضها الله ، إلا في مثل هذا الموطن . [ تمام قصة أبي دجانة ]

            قال ابن إسحاق : فاقتتل الناس حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس .

            قال ابن هشام : حدثني غير واحد ، من أهل العلم ، أن الزبير بن العوام قال : وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة ، وقلت : أنا ابن صفية عمته ، ومن قريش ، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله ، فأعطاه إياه وتركني ، والله لأنظرن ما يصنع ؛ فاتبعته ، فأخرج عصابة له حمراء ، فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت ، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها فخرج وهو يقول :


            أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل     ألا أقوم الدهر في الكيول
            أضرب بسيف الله والرسول



            قال ابن هشام : ويروى في الكبول .

            قال ابن إسحاق : فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله . وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفف عليه ، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه . فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا ، فاختلفا ضربتين ، فضرب المشرك أبا دجانة ، فاتقاه بدرقته ، فعضت بسيفه ، وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ، ثم عدل السيف عنها . قال الزبير فقلت : الله ورسوله أعلم .

            قال ابن إسحاق : وقال أبو دجانة سماك بن خرشة : رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا ، فصمدت له ، فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة ، فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة . وذكر موسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه ، طلبه منه عمر فأعرض عنه ، ثم طلبه منه الزبير فأعرض عنه ، فوجدا في أنفسهما من ذلك ، ثم عرضه الثالثة ، فطلبه أبو دجانة فدفعه إليه ، فأعطى السيف حقه . قال : فزعموا أن كعب بن مالك قال : كنت فيمن جرح من المسلمين ، فلما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت ، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يحوز المسلمين ، وهو يقول : استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم . قال : وإذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لأمته ، فمضيت حتى كنت من ورائه ، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري ، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة . قال : فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا ، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف فبلغت وركه ، وتفرق فرقتين ، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال : كيف ترى يا كعب ؟ أنا أبو دجانة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية