الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1651 [ 948 ] وعن جرير بن عبد الله قال : جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن أناسا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أرضوا مصدقيكم) .

                                                                                              قال جرير : ما صدر عني مصدق منذ سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا هو عني راض .

                                                                                              وفي رواية : (إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم وهو عنكم راض) .

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 362 و 231 )، ومسلم (989) و(989 \ 177)، وأبو داود (1589)، والنسائي (5 \ 31) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول جرير : " جاء ناس من الأعراب " ; يريد : أهل البادية . وقد ذكرنا الفرق بين الأعرابي والعربي ، ولا شك أن أهل البادية أهل جفاء وجهل غالبا ، ولذلك قال تعالى : الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله ، ولذلك نسبوا الظلم إلى مصدقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإلى فضلاء أصحابه ، فإنه ما كان يستعمل على ذلك إلا أعلم الناس وأعدلهم ، لكن لجهل الأعراب بحدود الله ظنوا : أن ذلك القدر الذي كانوا يأخذونه منهم هو ظلم ، فقال لهم - صلى الله عليه وسلم - : ( أرضوا مصدقيكم وإن ظلمتم ) ; أي على زعمكم وظنكم ، لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سوغ للعمال الظلم ، وأمر الأعراب بالانقياد لذلك ; لأنه كان يكون ذلك منه إقرارا على [ ص: 134 ] منكر ، وإغراء بالظلم ، وذلك محال قطعا .

                                                                                              وإنما سلك النبي - صلى الله عليه وسلم - مع هؤلاء هذا الطريق دون أن يبين لهم أن ذلك الذي أخذه المصدقون ليس ظلما ; لأن هذا يحتاج إلى تطويل وتقرير ، وقد لا يفهم ذلك أكثرهم .

                                                                                              وأيضا فليحصل منهم الانقياد الكلي بالتسليم وترك الاعتراض الذي لا يحصل الإيمان إلا بعد حصوله ، كما قال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية