الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وما لا نفس له سائلة ، كالذباب وغيره .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وما لا نفس له سائلة ) المراد بالنفس السائلة الدم السائل ، لأن العرب تسمي الدم نفسا ، ومنه قيل : للمرأة نفساء ، لسيلان دمها عند الولادة ، ويقال : نفست المرأة إذا حاضت ، وسمي الدم نفسا لنفاسته في البدن ، قاله ابن أبي الفتح ، وقال الزمخشري : النفس ذات الشيء وحقيقته ، يقال : عندي كذا نفسا ، ثم قيل للقلب : نفس ، لأن النفس به ، كقولهم : المرء بأصغريه ( كالذباب ) هو هنا المعروف ، وهو مفرد ، وجمعه ذبان أذبة ، ولا يقال ذبابة ( وغيره ) سواء كان من حيوان البر أو البحر كالعقرب والخنفساء والعلق والسرطان ونحوها ، فإنها لا تنجس بالموت ، فعلى هذا لا ينجس الماء اليسير بموتها فيه في قول عامة العلماء ، وهو أصح الروايتين لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ، ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء ، وفي الآخر داء رواه أحمد ، والبخاري ، والظاهر موته بالغمس لا سيما إذا كان الطعام حارا ، فإنه لا يكاد يعيش غالبا ، ولو نجس الطعام لأفسده ، فيكون أمرا بإفساد الطعام ، وهو خلاف ما قصده الشارع ، لأنه قصد بغمسه إزالة ضرره ، ولأنه لا نفس له سائلة ، أشبه دود الخل إذا مات فيه ، والثانية : نجس [ ص: 253 ] لا يؤكل لا لحرمته ، أشبه الحمار ، وفي " الرعاية " وعنه : ينجس إن لم يؤكل ، فينجس به الماء القليل في الأصح إن أمكن التحرز منه غالبا ، وقلنا : ينجس القليل بمجرد ملاقاة النجاسة دون تغيره ، فأما إن كان متولدا من النجاسة كدود الحش ، وصراصره ، فهو نجس حيا وميتا ، قال في " الشرح " : إلا إذا قلنا إن النجاسة تطهر بالاستحالة ، ولا يرد هذا على المتن ، لأن موته لم يؤثر فيه شيئا ، بل هو باق على ما كان عليه .

                                                                                                                          تنبيه : ما له نفس سائلة ضربان : نجس في الحياة ، وهو ظاهر ، إذ موته لا يزيده إلا خبثا ، وطاهر ، وهو ثلاثة أنواع : آدمي ، وقد تقدم حكمه ، وما تباح ميتته كسمك ونحوه فلا ينجس بالموت ، لأنه لو نجس به لم يبح أكله ، وعنه : نجاسة الطافي ، وإن مات بغير فعل آدمي ، وقلنا : يحرم الطافي ، ففيه روايتان ، بناء على نجاسة دمه ، فإن لم يكن له دم لم يحرم على الأصح ، وما لا تباح ميتته كحيوان البر المأكول ، وحيوان البحر الذي يعيش فيه كالضفدع والتمساح ونحوهما ، فينجس بالموت ، وينجس الماء اليسير لملاقاته ، والكثير بتغيره ، وللوزغ نفس سائلة ، نص عليه كالحية لا العقرب ، وفي " الرعاية " في دود القز وبزره وجهان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية