الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4132 386 - حدثني محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، حدثنا إسماعيل، عن قيس، عن أبي هريرة قال: لما قدمت على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قلت في الطريق:


                                                                                                                                                                                  يا ليلة من طولها وعنائها على أنها من دارة الكفر نجت



                                                                                                                                                                                  وأبق غلام لي في الطريق فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة هذا غلامك، فقلت: هو لوجه الله فأعتقته.


                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن أبا هريرة دوسي؛ لأنه من دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد، وقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، وقال خليفة بن خياط: أبو هريرة هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشرس بن طريف بن عباب بن أبي صعبة بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وقال أبو أحمد الحاكم: أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر، وقد غلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له غيرها، أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم؛ رغبة في العلم، روي له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خمسة آلاف حديث، وثلاثمائة حديث، وأربعة وسبعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثمائة حديث، وخمسة وعشرين حديثا، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين، وليس في الصحابة أحد أكثر حديثا منه، وقال البخاري: روى عنه [ ص: 35 ] أكثر من ثمانمائة رجل من بين صاحب وتابع، استعمله عمر رضي الله تعالى عنه على البحرين ثم عزله ثم أراده على العمل فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة حتى مات فيها سنة سبع وخمسين، قاله خليفة بن خياط.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الهيثم بن عدي: توفي سنة ثمان وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين، وقيل: مات بالعقيق، وحمل إلى المدينة، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان أميرا على المدينة لمعاوية بن أبي سفيان.

                                                                                                                                                                                  وروي عنه أنه قال: إنما كنيت بأبي هريرة؛ لأني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها في كمي فقيل: ما هذه؟ قلت: هرة. قيل: فأنت أبو هريرة، وقيل: رآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وفي كمه هرة، فقال: يا أبا هريرة.

                                                                                                                                                                                  ثم الحديث رواه البخاري هنا عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة، وأخرجه في كتاب العتق في (باب إذا قال رجل لعبده هو لله) من ثلاث طرق، ومضى الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لما قدمت) أي لما أردت القدوم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وعنائها) بفتح العين المهملة، وهو التعب والنصب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من دارة الكفر) الدارة أخص من الدار.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وأبق غلام لي) ادعى ابن التين أنه وهم، وإنما ضل كل واحد منهما من صاحبه، وقيل: لا دليل له على ذلك.

                                                                                                                                                                                  قلت: يجوز أن يكون قوله في الرواية الماضية في العتق "فأضل أحدهما صاحبه" دليلا على ذلك، وقال بعضهم: لا يلتفت إلى إنكار ابن التين أنه أبق؛ لأن رواية "أبق" فسرت وجه الإضلال.

                                                                                                                                                                                  قلت: لا إبهام في الإضلال حتى يفسره بلفظ "أبق" ولا يصلح أيضا أن يكون "أبق" مفسرا له من حيث اللغة، ولا وجه لذلك أصلا؛ لأن في الإباق معنى المخالفة للمولى والهرب عنه، وهو أكبر العيوب في العبد، وليس في الإضلال هذا المعنى أصلا، فعلى هذا التوفيق بين الروايتين بأن يقال: إنه أطلق "أبق" على معنى "أضل" لأن في كل من هذين اللفظين معنى الاستتار والاحتباس.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية