الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  373 46 - ( حدثنا عبد الله قال : أخبرنا مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن [ ص: 110 ] مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له ، فأكل منه ، ثم قال : قوموا فلأصلي لكم . قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ، فنضحته بماء ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصففت واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، ثم انصرف . الحديث ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : عبد الله بن يوسف التنيسي ، والإمام مالك بن أنس ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وربما يقال : إسحاق بن أبي طلحة بنسبته إلى جده ، واسم أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري النجاري ، وكان مالك لا يقدم على إسحاق أحدا في الحديث ، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، والرابع : أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم ، والخامس : جدته مليكة بضم الميم ، والآن يأتي بيانها مفصلا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، وفيه الإخبار كذلك ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة كذا هو في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني والحموي عن إسحاق بن أبي طلحة بنسبته إلى جده ، وفيه الاختلاف في الضمير الذي في جدته ، فقال ابن عبد البر وعبد الحق وعياض : يعود على إسحاق ، وصححه النووي ، ويؤيده ما رواه أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا المثنى بن سعيد ، حدثنا قتادة ، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم فتدركه الصلاة أحيانا فيصلي على بساط لنا ، وهو حصير ننضحه بالماء ، وأم سليم هي أم أنس ، وأمها مليكة بنت مالك بن عدي ، وهي جدة أنس ، واختلف في اسم أم سليم فقيل : سهلة ، وقيل : رميلة ، وقيل : رميثة ، وقيل : الرميصاء ، وقيل : الغميصاء ، وقيل : أنيفة بالنون والفاء مصغرة ، وتزوج أم سليم مالك بن النضر فولدت له أنس بن مالك ، ثم خلف عليها أبو طلحة فولدت له عبد الله ، وأبا عمير ، وعبد الله هو والد إسحاق راوي هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك ، وقال ابن سعد ، وابن منده ، وابن الحصار : يعود الضمير في جدته على أنس نفسه ، ويؤيده ما ذكره أبو الشيخ الأصبهاني في الحادي عشر من فوائد العراقيين حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر قال : حدثنا مقدم بن محمد بن يحيى ، عن عمه القاسم بن يحيى عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال : أرسلت جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة فقمت إلى حصير لنا . . . الحديث ، ولا تنافي بين كون مليكة جدة أنس ، وبين كونها جدة إسحاق .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن إسماعيل بن أبي أويس ، وعن أبي نعيم ، وعن عبد الله بن محمد المسندي ، وأخرجه مسلم فيه عن يحيى ، وأبو داود فيه عن القعنبي ، والترمذي فيه عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى ، والنسائي فيه عن قتيبة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر اختلاف ألفاظ هذا الحديث ) : وعند مسلم : فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ، ثم ينضح ، ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقوم خلفه ، وكان بساطهم من جريد النخل ، وعند ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال : صنع بعض عمومتي للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، فقال : إني أحب أن تأكل في بيتي ، وتصلي فيه قال : فأتاه وفي البيت فحل من تلك الفحول ، فأمر بجانب منه فكنس ، ورش فصلى فصلينا معه ، وعند النسائي أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى ، فأتاها فعمدت إلى حصير فنضحته فصلى عليه ، وصلينا معه ، وفي الغرائب للدارقطني عن أنس قال : صنعت مليكة طعاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه وأنا معه ، ثم دعا بوضوء فتوضأ ، ثم قال لي : قم فتوضأ ، ومر العجوز فلتتوضأ ، ومر هذا اليتيم فليتوضأ فلأصلي لكم . قال : فعمدت إلى حصير عندنا خلق قد اسود ، وفي رواية : قطعة حصير عندنا خلق ، وفي سنن البيهقي من حديث أبي قلابة عن أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأتي أم سليم يقيل عندها ، وكان يصلي على نطع ، وكان كثير العرق فتتبع العرق من النطع فتجعله في القوارير مع الطيب ، وكان يصلي على الخمرة .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 111 ] ( ذكر معناه ) : قوله : "لطعام" أي : لأجل طعام ، وقال بعضهم وهو مشعر بأن مجيئه كان لذلك لا ليصلي بهم ليتخذوا مكان صلاته مصلى لهم كما في قصة عتبان بن مالك الآتية ، وهذا هو السر في كونه بدأ في قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام ، وهاهنا بالطعام قبل الصلاة فبدأ في كل منهما بأصل ما دعي له . ( قلت ) لا مانع في الجمع بين الدعاء للطعام ، وبين الدعاء للصلاة ، ولهذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، والظاهر أن قصد مليكة من دعوتها كان للصلاة ، ولكنها جعلت الطعام مقدمة لها ، وقوله : "وهذا هو السر" إلى آخره فيه نظر ؛ لأنه يحتمل أن الطعام كان قد حضر ، وتهيأ في دعوة مليكة ، والطعام إذا حضر لا يؤخر فيقدم على الصلاة ، وبدأ بالصلاة في قصة عتبان لعدم حضور الطعام . قوله : "فنضحته" من النضح ، وهو الرش ، وذلك إما لأجل تليين الحصير أو لإزالة الأوساخ منه ؛ لأنه أسود من كثرة الاستعمال ، وقوله : "من طول ما لبس" كناية عنها ، وأصل هذه المادة تدل على مخالطة ومداخلة ، وليس هاهنا "لبس" من لبست الثوب ، وإنما هو من قولهم لبست امرأة أي : تمتعت بها زمانا ، فحينئذ يكون معناه قد اسود من كثرة ما تمتع به طول الزمان ، ومن هذا يظهر لك بطلان قول بعضهم ، وقد استدل به على منع افتراش الحرير لعموم النهي عن لبس الحرير ، وقصد هذا القائل الغمز فيما قال أبو حنيفة من جواز افتراش الحرير وتوسده ، ولكن الذي يدرك دقائق المعاني ، ومدارك الألفاظ العربية يعرف ذلك ، ويقر بأن أبا حنيفة لا يذهب إلى شيء سدى .

                                                                                                                                                                                  قوله : "واليتيم" هو ضميرة بن أبي ضميرة ، وأبو ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قاله الذهبي في تجريد الصحابة ثم قال : له ولأبيه صحبة ، وقال في الكنى : أبو ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من حمير اسمه سعد ، وكذا قال البخاري إن اسمه سعد الحميري من آل ذي يزن ، وقال أبو حاتم سعيد الحميري هو جد حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة انتهى ، ويقال : اسم أبي ضميرة روح بن سندر ، وقيل : روح بن شيرزاد ، وضميرة بضم الضاد المعجمة ، وفتح الميم ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفتح الراء في آخره هاء . قوله : "والعجوز" هي مليكة المذكورة أولا . قوله : "ثم انصرف" أي : من الصلاة ، وذهب إلى بيته .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر إعرابه ) : قوله : "صنعته" جملة فعلية في محل الجر ؛ لأنها صفة لطعام . قوله : "فلأصلي لكم" فيه ستة أوجه من الإعراب : الأول : فلأصلي بكسر اللام وضم الهمزة ، وفتح الياء ، ووجهه أن اللام فيه لام كي ، والفعل بعدها منصوب بأن المقدرة ، تقديره : فلأن أصلي . قال القرطبي : رويناه كذا والفاء زائدة أو الفاء جواب الأمر ، ومدخول الفاء محذوف تقديره : قوموا فقيامكم لأصلي لكم ، ويجوز أن تكون الفاء زائدة على رأي الأخفش ، واللام متعلق ب "قوموا" . الوجه الثاني : فلأصلي مثلها إلا أنها ساكنة الياء ، ووجهه أن تسكين الياء المفتوحة للتخفيف في مثل هذا لغة مشهورة . الثالث : فلأصل بحذف الياء لكون اللام لام الأمر ، وهي رواية الأصيلي . الرابع : فأصلي على صيغة الإخبار عن نفسه ، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره فأنا أصلي ، والجملة جواب الأمر . الخامس : فلنصل بكسر اللام في الأصل ، وبنون الجمع ، ووجهه أن اللام لام الأمر ، والفعل مجزوم بها ، وعلامة الجزم سقوط الياء . السادس : فلأصلي بفتح اللام ، وروي هكذا في بعض الروايات ، ووجهه أن تكون اللام لام الابتداء للتأكيد ، أو تكون جواب قسم محذوف والفاء جواب شرط محذوف تقديره : إن قمتم فوالله لأصلي لكم . قوله : "فصففت أنا واليتيم" كذا رواية الأكثرين ، وفي رواية المستملي ، والحموي "فصففت واليتيم" بغير لفظ أنا ، وفي مثل هذا خلاف بين البصريين والكوفيين ، فعند البصريين لا يعطف على الضمير المرفوع إلا بعد أن يؤكد بضمير منفصل ليحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل بارزا كان أو مستترا كقوله تعالى : اسكن أنت وزوجك الجنة وعند الكوفيين : يجوز ذلك بدون التأكيد ، والأول هو الأفصح . قوله : "واليتيم" يجوز فيه الرفع والنصب ؛ أما الرفع فلأنه معطوف على الضمير المرفوع ، وقال الكرماني بالنصب ، ولو صح رواية الرفع فهو مبتدأ ووراء خبره ، والجملة حال . ( قلت ) وجه النصب هو أن تكون الواو فيه واو المصاحبة ، والتقدير : فصففت أنا مع اليتيم . قوله : "والعجوز من ورائنا" جملة اسمية ، وقعت حالا ، وفي حالة الرفع تكون معطوفا فافهم . قوله : "فصلى" أي : النبي صلى الله عليه وسلم "لنا" أي : لأجلنا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر استنباط الأحكام فيه ) : إجابة الدعوة وإن لم تكن وليمة عرس ، والأكل من طعامها ، وفيه جواز النافلة جماعة ، ( فإن قلت ) : قد جاء في رواية أبي الشيخ الحافظ فحضرت الصلاة . ( قلت ) لا يلزم من حضور وقت الصلاة أن صلاته [ ص: 112 ] صلى الله عليه وسلم في بيت مليكة كانت للفرض ، ألا ترى أن في رواية مسلم : "قوموا فلأصلي لكم" في غير وقت صلاة فصلى بنا ، ( فإن قلت ) : قد جاء في رواية أخرى لمسلم : فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا . ( قلت ) الجواب ما ذكرناه الآن ، ومع هذا كره أصحابنا وجماعة آخرون التنفل بالجماعة في غير رمضان ، وقال ابن حبيب عن مالك : لا بأس أن يفعله الناس اليوم في الخاصة من غير أن يكون مشتهرا مخافة أن يظنها الجهال من الفرائض .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الأفضل أن تكون النوافل في البيت ؛ لأن المساجد تبنى لأداء الفرائض .

                                                                                                                                                                                  وفيه الصلاة في دار الداعي وتبركه بها ، وقال بعضهم : ولعله صلى الله عليه وسلم أراد تعليم أفعال الصلاة مشاهدة مع تبركهم ، فإن المرأة قلما تشاهد أفعاله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأراد أن تشاهدها وتتعلمها وتعلمها غيرها ، وفيه : تنظيف مكان المصلى من الأوساخ ، ومثله التنظيف من الكناسات ، والزبالات .

                                                                                                                                                                                  وفيه قيام الطفل مع الرجال في صف واحد .

                                                                                                                                                                                  وفيه تأخر النساء عن الرجال .

                                                                                                                                                                                  ويستنبط منه أن إمامة المرأة للرجال لا تصح ؛ لأنه إذا كان مقامها متأخرا عن مرتبة الصبي فبالأولى أن لا تتقدمهم ، وهو قول الجمهور خلافا للطبري ، وأبي ثور في إجازتهما إمامة النساء مطلقا ، وحكي عنهما أيضا إجازة ذلك في التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الأفضل في نوافل النهار أن تكون ركعتين ، وقال بعضهم : وفيه الاقتصار في نافلة النهار على ركعتين خلافا لمن اشترط أربعا . ( قلت ) إن كان مراده أبا حنيفة فليس كذلك ؛ لأنه لم يشترط ذلك ، بل قال : الأربع أفضل سواء كان في الليل أو في النهار ، وفيه : صحة صلاة الصبي المميز ، وقال النووي : احتج بقوله : من طول ما لبس أصحاب مالك في المسألة المشهورة بالخلاف ، وهي : إذا حلف لا يلبس ثوبا ففرشه فعندهم يحنث ، وأجاب أصحابنا بأن لبس كل شيء بحسبه فحملنا اللبس في الحديث على الافتراش للقرينة ، ولأنه المفهوم منه بخلاف من حلف لا يلبس ثوبا ، فإن أهل العرف لا يفهمون من لبسه الافتراش انتهى . ( قلت ) ليس معنى اللبس في الحديث الافتراش ، وإنما معناه التمتع كما قال صاحب اللغة ؛ يقال : لبست امرأة أي : تمتعت بها زمانا طويلا ، وليس هو من اللبس الذي من لبست الثياب ، وقد ذكرناه عن قريب ، وفيه الصلاة على الحصير ، وسائر ما تنبته الأرض ، وهو إجماع إلا من شذ بحديث أنه لم يصل عليه ، وهو لا يصح . ( قلت ) كذا ذكره صاحب التلويح ، وأراد بقوله : لا يصح الحديث الذي رواه ابن أبي شيبة من حديث يزيد بن المقدام عن أبيه شريح بن هانئ أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير ، والله تعالى يقول : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ؟ فقالت : لا لم يكن يصلي على الحصير ، وقالوا : هذا غير صحيح لضعف يزيد بن المقدام ، ولهذا بوب البخاري : باب : الصلاة على الحصير ، فإن هذا الحديث لم يثبت عنده أورده لمعارضة ما هو أقوى منه ، والذي شذ فيه هو عمر بن عبد العزيز فإنه كان يسجد على التراب ، ولكن يحمل فعله هذا على التواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الأصل في الحصير ونحوه الطهارة ، ولكن النضح فيه إنما كان لأجل التليين أو لإزالة الوسخ كما ذكرنا ، وقال القاضي عياض : الأظهر أنه كان للشك في نجاسته . قلنا : هذا على مذهبه في أن النجاسة المشكوك فيها تطهر بنضحها من غير غسل ، وعندنا الطهارة لا تحصل إلا بالغسل .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن الاثنين يكونان صفا وراء الإمام ، وهو مذهب العلماء كافة إلا ابن مسعود فإنه قال : يكون الإمام بينهما ، وفي التوضيح ، وبه قال أبو حنيفة والكوفيون . ( قلت ) مذهب أبي حنيفة ليس كذلك بل مذهبه أنه إذا أم اثنين يتقدم عليهما ، وبه قال محمد ، واحتجا في ذلك بهذا الحديث المذكور في الباب . نعم عن أبي يوسف رواية أنه يتوسطهما . قال صاحب الهداية : ونقل ذلك عن ابن مسعود . ( قلت ) هذا موقوف عليه ، وقد رواه مسلم من ثلاث طرق ، ولم يرفعه في الأوليين ، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الثالثة ، وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو عمر : هذا الحديث لا يصح رفعه ، وأما فعله هو فإنما كان لضيق المسجد ، رواه الطحاوي في شرح الآثار بسنده عن ابن سيرين أنه قال : لا أرى ابن مسعود فعل ذلك إلا لضيق المسجد أو لعذر آخر لا على أنه من السنة ، وفيه أن المنفرد خلف الصف تصح صلاته بدليل وقوف العجوز في الأخير ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك ، وقال أحمد وأصحاب الحديث : لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا صلاة للمنفرد خلف الصف" . قلنا : أريد به نفي الكمال .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن السلام ليس بواجب في الخروج من الصلاة لقوله : ثم انصرف ، ولم يذكر سلاما ، ( فإن قلت ) : المراد منه الانصراف من البيت الذي فيه . ( قلت ) ظاهره الانصراف من الصلاة ، وإن كان يحتمل الانصراف من البيت ، وبهذا الاحتمال لا تقوم الحجة . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية