الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 305 ] فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها ( ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه ) وقال زفر : لا يجوز ( وإن أذنت المرأة للرجل أن يزوجها من نفسه فعقد بحضرة شاهدين جاز ) وقال زفر والشافعي : لا يجوز . [ ص: 306 ] لهما أن الواحد لا يتصور أن يكون مملكا ومتملكا كما في البيع ، إلا أن الشافعي يقول في الولي ضرورة ; لأنه لا يتولاه سواه ، ولا ضرورة في حق الوكيل . [ ص: 307 ] ولنا أن الوكيل في النكاح سفير ومعبر ، والتمانع في الحقوق دون التعبير ولا ترجع الحقوق إليه ، بخلاف البيع ; لأنه مباشر حتى رجعت الحقوق إليه ، وإذا تولى طرفيه فقوله زوجت يتضمن الشطرين فلا يحتاج إلى القبول . .

التالي السابق


( فصل في الوكالة بالنكاح وغيرها )

من أحكام الولي والفضولي ويبقى الرسول نذكره بعد إن شاء الله تعالى . ولما كانت الوكالة نوعا من الولاية إذ ينفذ تصرفه على الموكل غير أنها تستفاد من الولي على نفسه أو غيره كانت ثانية للولاية الأصلية فأوردها ثانية في التعليم لباب الأولياء ، ثم ذكر غيرها من الفضولي لتأخره عنهما ; لأن النفاذ بالإجازة إنما ينسب إلى الولي المجيز فنزل عقد الفضولي كالشرط له حيث لم يستعقب بنفسه حكمه كما هو الأصل في السبب ، غير أن ابتداءه بالولي إن نظر فيه إلى أنه أقوى ناسب الابتداء به ، وإن نظر إلى أن عقد الفصل للوكيل أولا وبالذات كان المناسب الابتداء بمسألة الوكيل ( قوله ويجوز لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه ) الصغيرة بغير إذنها والبالغة بإذنها ، فيقول اشهدوا أني تزوجت بنت عمي فلانة بنت فلان بن فلان أو زوجتها من نفسي ( وقال زفر : لا يجوز ، وإذا أذنت المرأة لرجل أن يزوجها من نفسه فعقد بحضرة شاهدين جاز ، وقال زفر والشافعي : لا يجوز ) [ ص: 306 ] وصورتها أن يقول اشهدوا أن فلانة بنت فلان بن فلان وكلتني أن أزوجها من نفسي وقد فعلت ذلك ، فلو لم ينسبها إلى الجد ولم يعرفها الشهود ففي التفاريق وسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يطأها . وفي النوازل قال : لا يجوز النكاح ; لأن الغائب إنما يعرف بالتسمية ، ألا يرى أنه لو قال تزوجت امرأة وكلتني لا يجوز ، وعلى هذا الخلاف كل وكيل لامرأة بتزويج نفسها .

وذكر الخصاف : رجل خطب امرأة فأجابته وكرهت أن يعلم أولياؤها فجعلت أمرها في تزويجها إلى الخاطب واتفقا على المهر فكره الزوج تسميتها عند الشهود قال : يقول إني خطبت امرأة بصداق كذا ورضيت به وجعلت أمرها إلي بأن أتزوجها فأشهدكم أني تزوجت المرأة التي أمرها إلي على صداق كذا فينعقد النكاح .

قال شمس الأئمة الحلواني : الخصاف كبير في العلم وهو ممن يقتدى به . وقال في التجنيس : وذكر في المنتقى أن مثل هذا التعريف يكفي ، ومثل هذا الخلاف فيما لو كانت حاضرة متنقبة ولا يعرفها الشهود ، فعن الحسن وبشر يجوز ، وقيل لا يجوز ما لم ترفع نقابها ويراها الشهود ، والأول أقيس فيما يظهر بعد سماع الشطرين منهما ; لأن الشرط ليس شهادة تعتبر للأداء ليشترط العلم على التحقيق بذات المرأة على ما تقدم ، ثم رأيت في التجنيس أنه هو المختار ; لأن الحاضر يعرف بالإشارة ، والاحتياط كشف نقابها وتسميتها ونسبتها ، وهذا كله إذا لم يعرفها الشهود ، أما إذا كانوا يعرفونها وهي غائبة فذكر الزوج اسمها لا غير جاز النكاح إذا عرف الشهود أنه أراد المرأة التي يعرفونها ; لأن المقصود من التسمية التعريف وقد حصل ا هـ .

وبقولنا قال مالك وأحمد وسفيان الثوري وأبو ثور والظاهرية . وقوله من نفسه احتراز عما لو وكلته أن يزوجها مطلقا فإنه لو زوجها من نفسه لا يجوز ، وكذا لو وكلت أجنبيا أو وكل امرأة بأن تزوجه فزوجته من نفسها لا يصح أيضا ( لزفر والشافعي أن الواحد لا يتصور ) على البناء للفاعل ( أن يكون مملكا ومتملكا كما في البيع ) لا يجوز كونه وكيلا من الجانبين لتضاد حكمي التمليك والتملك ، ويوافقه الأثر ، وهو ما روي عنه صلى الله عليه وسلم { كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح : خاطب ، وولي ، وشاهدا عدل } ( إلا أن الشافعي يقول ) على أحد الوجهين ( في الولي ضرورة إذ لا يتولاه غيره ) فلو منع من تولى شطريه امتنع أصلا ; لأنه لو أمر غيره بتزويجها منه كان قائما مقامه وانتقلت عبارته إليه كتكلمه هو بنفسه فلا فرق في التحقيق .

وهذا الاستثناء جاء على اعتقاد المصنف أن الشافعي يقول في المسألة الأولى بالجواز كقولنا ; ولذا اقتصر في نقل الخلاف فيها على خلاف زفر ، لكن الواقع ثبوت خلاف الشافعي فيها أيضا ; لأنه لا يثبت ولاية إجبار لغير الأب والجد فلا يتصور أن يجيز تزويج ابن العم بنت عمه من نفسه ، والذي يجيزه الشافعي [ ص: 307 ] من تولي الولي الطرفين هو تزويج الجد بنت ابنه من ابن ابنه وليس هو في هذا مملكا ومتملكا فلا يصلح مستثنى ، ولو جعل منقطعا لم يصح تعليله بالضرورة ، فإن معنى الكلام أنه لا يصح المباشر مملكا ومتملكا شرعا إلا في الولي صح ذلك ضرورة لكنه منتف ( ولنا أن الوكيل في النكاح سفير ومعبر ) حتى لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل على ما نذكر ، ولا ترجع حقوق العقد إليه حتى لا يطالب بالمهر وتسليم الزوجة ، بخلاف البيع لا يصح أن يكون الواحد فيه وكيلا من جهة البائع والمشتري فإنه فيه مباشر ترجع الحقوق إليه ويستغني عن الإضافة .

والواحد يصلح أن يكون معبرا عن اثنين والتمانع إنما هو في الحقوق لا في نفس التلفظ ، فالذي يرجع إليه لا امتناع فيه ، والذي فيه الامتناع لا يرجع إليه ، وللانتقال لكونه معبرا بعبارة الغير يكون ذلك العقد قام بأربعة الاثنين المعبر عنهما والشاهدين على ما هو في الأثر .

واعلم أنه يستثنى من مسألة الوكيل بالبيع من الجانبين الأب ، فإنه لو باع مال ابنه من نفسه أو اشتراه ولو بغبن يسير صح ، ولا يخفى أن هذا على التشبيه وإلا فبيع الأب ليس بطريق الوكالة بل الولاية والأصالة . ثم إذا تولى طرفيه قال المصنف فقوله زوجت فلانة من نفسي يتضمن الشطرين فلا يحتاج إلى القبول بعده ، وكذا ولي الصغيرين القاضي وغيره ، والوكيل من الجانبين يقول زوجت فلانة من فلان . وقال شيخ الإسلام خواهر زاده : هذا إذا ذكر لفظا هو أصيل فيه ، أما إذا ذكر لفظا هو نائب فيه فلا يكفي ، فإن قال تزوجت فلانة كفى ، وإن قال زوجتها من نفسي لا يكفي ; لأنه نائب فيه . وعبارة الهداية وهي ما ذكرناه آنفا صريحة في نفي هذا الاشتراط ، وصرح بنفيه في التجنيس أيضا في علامة غريب الرواية والفتاوى الصغرى قال : رجل زوج بنت أخيه من ابن أخيه فقال زوجت فلانة من فلان يكفي ولا يحتاج إلى أن يقول قبلت ، وكذا كل من يتولى طرفي العقد إذا أتى بأحد شطري الإيجاب يكفيه ، ولا يحتاج إلى الشطر الآخر ; لأن اللفظ الواحد يقع دليلا من الجانبين .




الخدمات العلمية