الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن عمر قال تأيمت حفصة ابنة عمر من خنيس بن حذافة أو حذيفة شك عبد الرزاق وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا فتوفي بالمدينة قال : فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة قلت : إن شئت أنكحتك حفصة قال : سأنظر في ذلك فلبثت ليالي فلقيني فقال : ما أريد أن أتزوج يومي هذا . قال عمر : فلقيت أبا بكر فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي فخطبها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا ؟ قال : قلت : نعم ، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئا حين عرضتها علي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها نكحتها رواه البخاري وفي رواية له ولو تركها لقبلتها .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث الرابع .

                                                            وعن عمر قال : تأيمت حفصة ابنة عمر من خنيس بن حذافة أو حذيفة شك [ ص: 16 ] عبد الرزاق وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا فتوفي بالمدينة قال : فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة قال : سأنظر في ذلك فلبثت ليالي فلقيني فقال : ما أريد أن أتزوج يومي هذا . قال عمر : فلقيت أبا بكر فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي فخطبها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا قال : قلت : نعم ، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئا حين عرضتها علي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها نكحتها رواه البخاري .

                                                            (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق والبخاري من طريق هشام بن يوسف كلاهما عن معمر والبخاري والنسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد [ ص: 17 ] والبخاري وحده من طريق شعيب بن أبي حمزة ثلاثتهم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر وفي هذه الروايات غير المحكية عن النسائي أولا ، خنيس بن حذافة السهمي من غير شك وفيها أيضا قبلتها بدل نكحتها .

                                                            (الثانية) قوله تأيمت بتشديد الياء أي مات عنها زوجها أو طلقها قال في المشارق : وقد استعمل الأيم في كل من لا زوج له وإن كان بكرا وذكر في النهاية تبعا للهروي أن هذا هو الأصل واقتصر عليه في الصحاح .

                                                            (الثالثة) خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون وإسكان الياء المثناة من تحت وبالسين المهملة ، والمعروف أنه ابن حذافة كما جزم به غير عبد الرزاق وهو مقدم على شك عبد الرزاق ولما روى النسائي الحديث من طريق عبد الرزاق اقتصر على قوله خنيس وحذف الشك في اسم أبيه وهو قرشي سهمي وهو أخو عبد الله بن حذافة وقد اقتصر في الحديث على شهوده بدرا وذكر ابن عبد البر أنه شهد أحدا أيضا وحصلت له بها جراحة مات منها بالمدينة وضعف ذلك أبو الفتح اليعمري ، وقال : إنه ليس بشيء وأن المعروف أنه مات بالمدينة على رأس خمسة وعشرين شهرا بعد رجوعه من بدر . انتهى .

                                                            ويؤيد هذا التضعيف أن الأكثرين على أنه عليه الصلاة والسلام تزوج بها سنة ثلاث من الهجرة ولا يمكن مع ذلك استشهاد خنيس بأحد ؛ لأنها كانت في شوال سنة ثلاث فلم يبق بعدها من السنة ما تنقضي فيه العدة ، وقد استشكل الذهبي ذلك وحل والدي رحمه الله ذلك بتوهيم ابن عبد البر في قوله أنه استشهد بأحد وبسط ذلك في ترجمة حفصة رضي الله عنها من هذا الشرح .

                                                            (الرابعة) استدل به على أنه لا بأس بعرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد عليها وعلى المعروضة عليه وأن ذلك لا ينبغي الاستحياء منه وقد بوب على ذلك البخاري والنسائي .

                                                            (الخامسة) المعروف ما في هذا الحديث من أن عرضها على عثمان كان قبل عرضها على أبي بكر وعكس ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة حفصة وزاد فيه أن عمر رضي الله عنه انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه عثمان وأخبره بعرضه حفصة عليه فقال رسول [ ص: 18 ] الله صلى الله عليه وسلم : يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة . وتبعه على ذلك أبو الفتح اليعمري والذهبي وذكر والدي رحمه الله في ترجمة حفصة من هذا الشرح أنه وهم وأن الصواب ما في هذا الحديث .

                                                            وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة رقية ما نصه : وفي الحديث الصحيح عن سعيد بن المسيب قال : آم عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمت حفصة من زوجها فمر عمر بعثمان فقال : هل لك في حفصة وكان عثمان قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها فلم يجبه فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل لك في خير من ذلك أتزوج أنا حفصة وأزوج عثمان خيرا منها أم كلثوم قال : هذا معنى الحديث وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وهو أصح شيء فيما قصدناه . انتهى .

                                                            والمعروف أن الساكت لكونه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها هو أبو بكر كما في حديث الصحيح وكذلك ذكره أبو عمر في ترجمة حفصة وهو مقدم على هذا المرسل .

                                                            السادسة (فإن قلت) كيف عرضها على عثمان ثم على أبي بكر رضي الله عنهم وهو لا يملك إجبارها لكونها ثيبا ؟ (قلت) لو رضي أحدهما لزوجها له بشرطه وهو رضاها وقد كان يعلم أنها لا تخالفه في مثل ذلك وقد بوب عليه النسائي باب إنكاح الرجل ابنته الكبيرة فإن أراد بالإجبار فهو ممنوع إذا كانت ثيبا ، وإن أراد بالرضا فمسلم .

                                                            (السابعة) كان عرضها على عثمان وهو عزب بعد وفاة رقية وقبل تزوج أم كلثوم وأما على [ ص: 19 ] أبي بكر رضي الله عنه فكان وأم رومان تحته لأنها إنما توفيت سنة ست من الهجرة في ذي الحجة وقيل : عام الخندق سنة أربع أو خمس وعلى كل حال فهو بعد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بلا شك ففيه أنه لا بأس بعرض الرجل ابنته على من هو متزوج والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية