الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( 7 ) الحرية الشخصية في الدين بمنع الإكراه والاضطهاد ورياسة السيطرة :

                          هذه المزية من مزايا الإسلام هي نتيجة المزايا التي بينا بها كونه دين الفطرة ، فأما منع الإكراه فيه وعليه فالأصل فيه قوله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بمكة : ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) ( 10 : 99 - 101 ) علم الله تعالى رسوله بهذه الآيات أن من سننه في البشر أن تختلف عقولهم وأفكارهم في فهم الدين ، وتتفاوت أنظارهم في الآيات الدالة عليه فيؤمن بعض ويكفر بعض ، فما كان يتمناه - صلى الله عليه وسلم - من إيمان جميع الناس مخالف لمقتضى مشيئته تعالى في اختلاف استعداد الناس للإيمان ، وهو منوط باستعمال عقولهم وأنظارهم في آيات الله في خلقه ، والتمييز بين هداية الدين وضلالة الكفر .

                          ثم قوله تعالى له عندما أراد أصحابه أخذ من كان عند بني النضير من أولادهم عند إجلائهم عن الحجاز وكان قد تهود بعضهم : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ( 2 : 256 ) الآية - فأمرهم - صلى الله عليه وسلم - أن يخيروهم ، فمن اختار اليهودية أجلي مع اليهود ولا يكره على الإسلام ، ومن اختار الإسلام بقي مع المسلمين كما بيناه في تفسير الآية .

                          وأما منع الفتنة ، وهي اضطهاد الناس لأجل دينهم حتى يتركوه ، فهو السبب الأول لشرعية القتال في الإسلام كما بيناه في تفسير قوله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) ( 2 : 193 ) من سورة البقرة . ثم في تفسير آية 39 من سورة الأنفال التي بلفظها مع زيادة ( كله ) فراجع تفسير هذه الآية في ص 552 وما بعدها ج 9 ط الهيئة .

                          وأما منع رياسة السيطرة الدينية كالمعهودة عند النصارى ففيها آيات مبينة في القرآن ، وهي معلومة بالضرورة من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين ، وقد بيناها [ ص: 210 ] في الكلام على وظائف الرسل عليهم السلام ، وحسبك منها قوله عز وجل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) ( 88 : 21 ، 22 ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية