الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما إذا قتل إنسانا يظنه على حال وكان بخلافه وفيه مسائل : الأولى : قتل من ظنه كافرا ، بأن كان عليه زي الكفار ، أو رآه يعظم آلهتهم ، فبان مسلما ، نظر ، إن كان ذلك في دار الحرب ، فلا [ ص: 147 ] قصاص قطعا ، ولا دية على الأظهر ، وتجب الكفارة قطعا .

                                                                                                                                                                        وإن كان في دار الإسلام ، وجبت الدية والكفارة قطعا ، وكذا القصاص على الأظهر ، فإن لم نوجبه ، فهل الدية مغلظة أم مخففة على العاقلة ؟ قولان .

                                                                                                                                                                        الثانية : قتل من ظنه مرتدا أو حربيا ، فلم يكن ، فعليه القصاص ، فإن عهده مرتدا ، أو ظن أنه لم يسلم وكان أسلم ، فالنص وجوب القصاص ، ونص فيما لو عهده ذميا أو عبدا ، فقتله ظانا أنه لم يسلم ، ولم يعتق ، فبان خلافه ، أنه لا قصاص ، فقيل : في الجميع قولان .

                                                                                                                                                                        وقيل : بظاهر النصين ، لأن المرتد يحبس فلا يخلى ، فقاتله مقصر بخلاف الذمي والعبد ، وقيل : يجب القصاص في الجميع ، لأنه ظن لا يبيح القتل .

                                                                                                                                                                        والمذهب وجوب القصاص في الجميع ، وإن أثبتنا الخلاف ، كما لو علم تحريم القتل ، وجهل وجوب القصاص ، ولو عهده حربيا فظن أنه لم يسلم ، فقيل : كالمرتد .

                                                                                                                                                                        وقيل : لا قصاص قطعا ، لأن المرتد لا يخلى ، والحربي يخلى بالمهادنة ، ويخالف العبد والذمي ، فإنه ظن لا يفيد الحل والإهدار ، بخلاف الحربي ، ولو ظنه قاتل أبيه ، فقتله ، فبان غيره ، وجب القصاص على الأظهر ، لأنه يلزمه التثبت ، ولم يعهده قاتلا حتى يستصحبه ، ولو قال : تبينت أن أبي كان حيا حين قتلته ، وجب القصاص قطعا .

                                                                                                                                                                        وحيث قلنا : لا قصاص في هذه الصور ، فقال : ظننته كافرا أو رقيقا ، فقال الولي : بل علمته مسلما حرا ، فالقول قول القاتل ، لأنه أعرف ، ونقل الغزالي في موضع القولين فيما إذا قال : ظننته قاتل أبي ، طريقين .

                                                                                                                                                                        أحدهما : موضعهما إذا تنازعا ، أما إذا صدقه الولي ، فلا قصاص قطعا ، والثاني : طرد القولين في الحالين ، لأنه ظن من غير مستند شرعي .

                                                                                                                                                                        [ ص: 148 ] الثالثة : ضرب مريضا ضربا يقتل المريض دون الصحيح ، فمات منه ، فإن علم مرضه ، فعليه القصاص قطعا ، وكذا إن جهله على الصحيح ، لأن جهله لا يبيح الضرب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية