الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 799 ) حدثنا موسى بن جمهور التنيسي السمسار ، ثنا علي [ ص: 338 ] بن حرب الموصلي ، ثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه ، عن عبد الله العماني ، عن مازن بن الغضوبة ، قال : كنت أسدن صنما يقال له باحر بسمائل - قرية بعمان - فعترنا ذات يوم عنده عتيرة - وهي الذبيحة - فسمعت صوتا من الصنم يقول : يا مازن اسمع تسر ، ظهر خير ، وبطن شر ، بعث نبي من مضر ، بدين الله الكبر الكبر ، فدع نحيتا من حجر ، تسلم من سقر ، قال : ففزعت لذلك فقلت : إن هذا لعجب ، ثم عترت بعد أيام عتيرة فسمعت صوتا من الصنم يقول : أقبل إلي أقبل ، تسمع ما لا تجهل ، هذا نبي مرسل ، جاء بحق منزل ، فآمن به كي تعدل ، عن حر نار تشعل ، وقودها بالجندل ، فقلت : إن هذا لعجب . وإنه لخير يراد بي ، فبينا نحن كذلك إذ قدم رجل من الحجاز ، قلنا : ما الخبر وراءك ؟ قال : ظهر رجل يقال له : أحمد ، يقول لمن أتاه : " أجيبوا داعي الله " قلت : هذا نبأ ما قد سمعت ، فسرت إلى الصنم فكسرته أجذاذا ، وركبت راحلتي فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرح لي الإسلام فأسلمت وقلت :

                                                                  كسرت باحرا جذاذا وكان لنا ربا نطيف به عميا بضلال     بالهاشمي هدينا من ضلالته
                                                                  ولم يكن دينه مني على بال     يا راكبا بلغن عمرا وإخوته
                                                                  أني لمن قال ربي باحر قال

                                                                  - يعني عمرو بن الصلت وإخوته بني خطامة - قال مازن : فقلت : يا رسول الله ، إني امرؤ مولع بالطرب وبشرب الخمر وبالهلوك - قال ابن الكلبي : والهلوك : الفاجرة من النساء - وألحت علينا السنون ، فأذهبت الأهوال ، وأهزلن الذراري والعيال ، وليس لي ولد ، فادع الله أن يذهب عني ما أجد ، ويأتينا بالحياء ، ويهب لي ولدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن ، وبالحرام الحلال ، وبالعهر عفة الفرج ، وبالخمر رياء لا إثم فيه ، وائته بالحياء ، وهب له ولدا " قال مازن : " فأذهب الله عني [ ص: 339 ] ما كنت أجد ، وأتانا بالحياء ، وتعلمت شطر القرآن ، وخصب عمان ، وحججت حجا حججا ، ووهب الله لي حيان بن مازن وأنشأت أقول : 206

                                                                  إليك رسول الله خبت مطيتي     تجوب الفيافي من عمان إلى العرج
                                                                  لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى     فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج
                                                                  إلى معشر خالفت في الله دينهم     فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي
                                                                  206 وكنت امرأ بالرغب والخمر مولعا     شبابي حتى آذن الجسم بالنهج
                                                                  فبدلني بالخمر خوفا وخشية     وبالعهر إحصانا فأحصن لي فرجي
                                                                  فأصبحت همي في الجهاد ونيتي     فلله ما صومي ولله ما حجي

                                                                  فلما قدمت على قومي أنبوني وشتموني ، وأمروا شاعرا لهم فهجاني ، فقلت : إن رددت عليه فإنما الهجو لنفسي ، فاعتزلتهم إلى ساحل البحر وقلت :

                                                                  بغضكم عندنا مرمدا فيه     وبغضكم عندنا يا قومنا لثن
                                                                  فلا يعطن الدهر أن نشب معايبكم     وكلكم يبدو عيبنا فطن
                                                                  شاعرنا معجم عنكم وشاعركم     في حربنا مبلغ في شتمنا لسن
                                                                  ما في القلوب عليكم فاعلموا وغر     وفي صدوركم البغضاء والإحن

                                                                  فأتتني منهم أزفلة عظيمة ، فقالوا : يابن عم ، عبنا عليك أمرا وكرهناه لك ، فإن أبيت فشأنك ودينك ، فارجع فأقم أمورنا ، فكنت القيم بأمورهم ، فرجعت معهم ثم هداهم الله بعد إلى الإسلام
                                                                  " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية