الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
18427 8108 - (18906) - (4 \ 322) عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال: لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين، قال: دعا بلال للصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس "، قال: فخرجت، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا، فقال: قم يا عمر فصل بالناس. قال: فقام، فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، وكان عمر رجلا مجهرا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: " فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون " قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس. قال: وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك، ماذا صنعت بي يا ابن زمعة، والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس. قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.

التالي السابق


* قوله: "لما استعز": على بناء المفعول - آخره زاي معجمة - يقال: استعز بفلان، على بناء المفعول؛ أي: غلب في كل شيء، من مرض أو غيره، واستعز [ ص: 196 ] بالعليل؛ أي: اشتد وجعه، وغلب على عقله.

* "فقال: قم يا عمر": أي: قال عبد الله بن زمعة.

* "رجلا مجهرا": في "الصحاح": إجهار الكلام: إعلانه، ورجل مجهر - بكسر الميم - أي: وفتح الهاء - : إذا كان من عادته أن يجهر بكلامه.

قلت: والوجه أن يجعل هاهنا - بكسر الميم - وقد ضبطه بعضهم على اسم الفاعل من الإجهار، وهو ممكن على بعد.

* "يأبى الله ذلك ": أي: تقدم غير أبي بكر.

* "فبعث. . . إلخ": كأنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك تقوية دليل خلافة الصديق - رضي الله تعالى عنه - ورفع الاشتباه عنه، إذ لو قدم غيره أحيانا لخفي أمر الدلالة، وتحقق الاشتباه، ولهذا استدل به أهل السنة على خلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - ووجهه أن الإمامة في الصلاة التي هي الإمامة الصغرى كانت يومئذ من وظائف الإمامة الكبرى، فنصبه صلى الله عليه وسلم إياه إماما في الصلاة في تلك الحالة من أقوى أمارات تفويض الإمامة الكبرى إليه، وهذا مثل أن يجلس سلطان زماننا أحد أولاده عند الوفاة على سرير السلطنة، فهل يشك أحد في أنه فوض السلطنة إليه؟! فهذه دلالة قوية لمن شرح الله صدره، وليس من باب قياس الإمامة الكبرى على الإمامة الصغرى، مع ظهور الفرق؛ كما زعمه الشيعة، وقولهم: إن الدلالة لو كانت ظاهرة قوية لما حصل الخلاف بينهم في أول الأمر، باطل؛ ضرورة أن الوقت كان وقت حيرة ودهشة، وكم من ظاهر يخفى في مثله! والله تعالى أعلم.




الخدمات العلمية