الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4193 445 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه. فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "فلما دفن" وحماد هو ابن زيد، وثابت بن أسلم البناني.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه ابن ماجه في الجنائز عن علي بن محمد الطنافسي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لما ثقل" أي: لما اشتد به المرض.

                                                                                                                                                                                  قوله: "جعل يتغشاه" فاعل جعل الثقل الذي يدل عليه لفظ ثقل، والضمير المرفوع في يتغشاه يرجع إلى الثقل المقدر، والضمير المنصوب يرجع إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - والمراد بالثقل الكرب الذي هو الغم الذي يأخذ بالنفس، والشدة، ولا يقال: إنه نوع من النياحة; لأن هذا ندبة [ ص: 75 ] مباحة ليس فيها ما يشبه نوح الجاهلية من الكذب ونحوه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "واكرب أباه" مندوب، والألف ألف الندبة، والهاء هاء السكت لأجل الوقف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ليس على أبيك كرب بعد اليوم " يعني: لا يصيبه بعد اليوم نصب ولا وصب يجد له كربا إذا ذهبنا إلى دار الكرامة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يا أبتاه" أصله: يا أبي، والتاء المثناة من فوق التي فيه مبدلة من ياء أبي، والألف للندبة لمد الصوت، والهاء للسكت.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من جنة الفردوس" وميم كلمة "من" مفتوحة، وهي موصولة، وجنة الفردوس كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "مأواه" خبره، أي منزله. وقيل: كلمة "من " بكسر الميم حرف جر، فعلى هذا قوله: "مأواه" مبتدأ و"من جنة الفردوس" خبره مقدما، أي: مأواه كائن من جنة الفردوس، وقال بعضهم: هذا أولى.

                                                                                                                                                                                  قلت: الأول أولى على ما لا يخفى على من يدقق نظره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ننعاه" مضارع نعى الميت ينعاه نعيا ونعيا - بتشديد الياء - إذا ذاع موته وأخبر به، وإذا ندبه، وقيل: الصواب: نعاه; يعني بصيغة الماضي، وقال بعضهم: الأول موجه، فلا معنى لتغليط الرواة بالظن.

                                                                                                                                                                                  قلت: من نص على أن الرواة رووه بصيغة المضارع فلم لا يجوز أن يكون ذلك من النساخ؟!

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلما دفن قالت فاطمة" هذا من رواية أنس عن فاطمة حيث قالت: أطابت أنفسكم ... إلخ.

                                                                                                                                                                                  معناه: كيف طابت أنفسكم على حثو التراب عليه مع شدة محبتكم له، وسكت أنس عن الجواب لها؛ رعاية وتأدبا، ولكنه أجاب بلسان الحال: قلوبنا لم تطب بذلك، ولكنا قهرنا على فعله؛ امتثالا لأمره. والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية