الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ويسافر بما شاء منهن ، والقرعة أحب ) لأنه قد يثق بإحداهما في السفر وبالأخرى في الحضر ، والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو لخوف الفتنة أو يمنع من سفر إحداهما كثرة سمنها فتعيين من يخاف صحبتها في السفر لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد وهو مندفع بالمنافي للحرج ، وأما ما رواه الجماعة من قرعته صلى الله عليه وسلم بينهن إذا أراد سفرا فكان للاستحباب تطييبا لقلوبهن لأن مطلق الفعل لا يقتضي الوجوب فكيف وهو محفوف بما يدل على الاستحباب من عدم وجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } وكان ممن أرجاهن سودة وجويرية وأم حبيبة وصفية وميمونة وممن آوى عائشة ، والباقيات - رضي الله عنهن أجمعين - قال القاضي في تفسيره : { ترجي من تشاء منهن } تؤخرها وتترك مضاجعتها { وتؤوي إليك من تشاء } تضم إليك وتضاجعها أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء { ومن ابتغيت } أي طلبت { ممن عزلت } طلقت بالرجعة { فلا جناح عليك } في شيء من ذلك ا هـ .

                                                                                        قيد بالسفر لأن مرضه لا يسقط القسم عنه ، وقد صح { أنه عليه السلام لما مرض استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له } ولم أر كيفية قسمه في مرضه إذا كان لا يستطيع التحول إلى بيت الأخرى ، والظاهر أن المراد بقسمه في مرضه أنه إذا صح ذهب إلى الأخرى بقدر ما أقام عند الأولى بخلاف ما إذا سافر بواحدة فإنه إذا أقام لا يقضي للمقيمة ( قوله : ولها أن ترجع إذا وهبت قسمها لأخرى ) فأفاد جواز الهبة ، والرجوع أما الأول فلأن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها وأما صحة الرجوع في المستقبل فلأنها أسقطت حقا لم يجب بعد فلا يسقط ، وقد فرع الشافعية هنا تفاريع لم أر أحدا من مشايخنا ذكرها ، منها أنها إذا وهبت حقها لمعينة ورضي بات عند الموهوب ليلتين ، وإن كرهت ما دامت الواهبة في نكاحه ولو كانا متفرقين لم يوال بينهما ، وإن وهبته للجميع جعلها كالمعدومة ولو وهبته له فخص به واحدة جاز كذا في الروض ولعل مشايخنا إنما لم يعتبروا هذا التفصيل لأن هذه الهبة إنما هي إسقاط عنه فكان الحق له سواء وهبت له أو لصاحبتها فله أن يجعل حصة الواهبة لمن شاء .

                                                                                        ( تتمة )

                                                                                        في حقوق الزوجين ذكر في البدائع أن من أحكام النكاح : المعاشرة بالمعروف للآية واختلف فيها فقيل التفصيل ، والإحسان إليها قولا وفعلا وخلقا وقيل أن يعمل معها كما يجب أن يعمل مع نفسه وهي مستحبة من الجانبين ومنها إذا حصل نشوز أن يبدأها بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب للآية لأنها للترتيب على التوزيع واختلف في الهجر فقيل يترك مضاجعتها وقيل يترك جماعها ، والأظهر ترك كلامها مع المضاجعة ، والجماع إن احتاج إليه ، وفي المعراج إذا كان له امرأة واحدة يؤمر أن يبيت معها ولا يعطلها ، وفي رواية الحسن لها ليلة من كل أربع إن كانت حرة ومن كل سبع إن كانت أمة ، وفي ظاهر الرواية لا يتعين [ ص: 237 ] حقها في يوم من أربعة أيام لأن القسم عند المزاحمة فالصحيح أنه يؤمر استحباب أن يصحبها أحيانا من غير أن يكون في ذلك شيء مؤقت

                                                                                        ولو كان له مستولدات وإماء فلا يقسم لهن لأنه من خصائص النكاح ولكن يستحب له أن لا يعطلهن وأن يسوي بينهن في المضاجعة ولو حطت لزوجها جعلا على أن يزيدها في القسم فهو حرام وهو رشوة وترجع بمالها وكذا لو جعلت من مهرها شيئا ليزيدها في القسم أو زادها في مهرها أو جعل لها شيئا لتجعل يومها لصاحبتها فالكل باطل ولا يجوز أن يجمع بين الضرتين أو الضرائر في مسكن واحد إلا برضاهن للزوم الوحشة ولو اجتمعت الضرائر في مسكن واحد بالرضا يكره أن يطأ إحداهما بحضرة الأخرى حتى لو طلب وطأها لم تلزمها الإجابة ولا تصير بالامتناع ناشزة ولا خلاف في هذه المسائل وله أن يجبرها على الغسل من الجنابة ، والحيض ، والنفاس إلا أن تكون ذمية وله جبرها على التنظيف ، والاستحداد وله أن يمنعها من كل ما يتأذى من رائحته وله أن يمنعها من الغزل ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير : وعلى هذا له أن يمنعها من التزين بما يتأذى بريحه كأن يتأذى برائحة الحناء المخضب ا هـ . وسيأتي في فصل التعزير المواضع التي يضربها فيها

                                                                                        وفي باب النفقات ما يجوز لها من الخروج وما لا يجوز قالوا ولو كان أبوها زمنا وليس له من يقوم عليه مؤمنا كان أو كافرا فإن عليها أن تعصي الزوج في المنع ، وفي البزازية من الحظر ، والإباحة وحق الزوج على الزوجة أن تطيعه في كل مباح يأمرها به ا هـ .

                                                                                        وفيها من آخر الجنايات : ادعت على زوجها ضربا فاحشا وثبت ذلك عليه يعزر الزوج ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنه لو لم يكن فاحشا وهو غير المبرح فإنه لا يعزر فيه وذكر البقاعي في المناسبات حديثا { لا يسأل الرجل فيم ضرب زوجته } وحديثا آخر { أنه نهى المرأة أن تشكو زوجها } والله تعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : بقدر ما أقام عند الأولى ) قال في النهر : ولا يخفى أنه إذا كان الاختيار في مقدار الدور إليه حال صحته ففي مرضه أولى فإذا مكث عند الأولى مدة أقام عند الثانية بقدرها ا هـ .

                                                                                        وهذا إذا أراد أن يجعل مدة إقامته دورا لما مر أن الاختيار في مقدار الدور إليه وبه اندفع ما ذكره المقدسي حيث قال : وما ذكر من أنه لو أقام عند واحدة شهرا فطلبت مثلها الأخرى لا يفعل ويستأنف القسم يقتضي أنه لا يستأنف هنا بالأولى ا هـ .

                                                                                        نعم ينبغي تقييده بثلاثة أيام على ما مر عن الخلاصة فلو أقام أكثر منها أقام عند الأخرى ثلاثة فقط تأمل ( قوله : فكان الحق له . . . إلخ ) قال في النهر : كون الحق له فيما إذا وهبت لصاحبتها ممنوع ففي البدائع في توجيه المسألة [ ص: 237 ] بأنه حق يثبت لها فلها أن تستوفي ولها أن تترك ا هـ .

                                                                                        قال بعض الفضلاء : كون الحق لها إنما هو قبل الإسقاط أما بعده فاعتبره المشايخ إسقاطا عنه فرجع الأمر إليه فيه ، وقد يقال إن الحق حيث كان لها وأسقطته لمعينة لا يجوز أن يجعله لغيرها ( قوله : أو زادها في مهرها . . . إلخ ) قال الباقاني في شرح الملتقى : فيه نظر إذ هو حقها فإذا رضيت بإسقاطه في مقابلة الزيادة فما المانع من الجواز فتأمل ا هـ .

                                                                                        وجوابه ما مر من تعليل صحة رجوعها لو وهبته لضرتها بأنها أسقطت حقا لم يجب بعد فتدبر ، والظاهر أنه يأتي فيه الكلام الذي قالوه في النزول عن الوظائف ومن أفتى بجواز أخذ المال بمقابلته إنما بناه على العرف ولا يخفى أنه لا عرف هنا وأما من منعه مطلقا يقول بالمنع هنا بالأولى تدبر .




                                                                                        الخدمات العلمية