الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 202 ] التفاوت الثالث في العدد وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : قطع يدا كاملة الأصابع ، ويد الجاني ناقصة أصبعا ، فللمجني عليه أن يأخذ دية اليد ، وله أن يقطع اليد الناقصة ، ويأخذ الأرش للأصبع .

                                                                                                                                                                        ولو كانت ناقصة أصبعين ، فله قطع يده وأرش أصبعين ، ولو قطع أصبعين وله أصبع واحدة ، فللمجني عليه قطع الموجودة ، وأرش المفقودة .

                                                                                                                                                                        ولو قطع أصبعا صحيحة ، وتلك الأصبع منه شلاء ، فأراد المجني عليه قطع الشلاء وأخذ شيء للشلل ، لم يكن له .

                                                                                                                                                                        الثانية : إذا كان النقص في يد المجني عليه ، بأن قطع السليم ناقصة بأصبع ، فليس للمجني عليه قطع اليد الكاملة ، لكن له أن يلتقط الأصابع الأربع ، وله أخذ ديتها ، فإن التقطها فقد ترك كف الجاني مع قطعه كفه ، فله حكومة خمس الكف ، وهو ما يقابل منبت أصبعه الباقية .

                                                                                                                                                                        وهل له حكومة أربعة أخماسها ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : لا ، بل تدخل تحت قصاص الأصابع ، كما تدخل تحت ديتها ، وأصحهما : نعم ، لأن القصاص ليس من جنسها ، ويجري الوجهان فيما إذا كانت يد الجاني زائدة بأصبع ، ويد المجني عليه معتدلة ، فلقط الخمس لتعذر القطع من الكوع بسبب الزائدة .

                                                                                                                                                                        وهل تدخل حكومة الكف تحت قصاص الخمس ولو أخذ دية الأصابع الأربع في الصورة الأولى ، دخلت حكومة منابتها فيها على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وقيل : لا تدخل ، بل تختص قوة الاستتباع بالكل ، وأما حكومة الخمس الباقي من الكف ، فتجب على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وحكي وجه أن كل أصبع تستتبع الكف كما تستتبعها كل الأصابع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 203 ] الثالثة : إذا قطع كفا لا أصابع لها ، فلا قصاص إلا أن تكون كف القاطع مثلها ، ولو قطع صاحب هذه الكف يد سليم ، فله قطع كفه ودية الأصابع ، حكاه ابن كج عن النص .

                                                                                                                                                                        الرابعة : إذا كان على يد الجاني أصبعان شلاوان ، ويد المجني عليه سليمة ، فإن شاء قطع يده وقنع بها ، وإن شاء لقط الثلاث السليمة وأخذ دية أصبعين ، وفي استتباع الثلاث حكومة منابتها واستتباع دية الأصبعين حكومة منبتهما الخلافان السابقان .

                                                                                                                                                                        ولو كانت يد الجاني سليمة ، ويد المجني عليه فيها أصبعان شلاوان ، لم يجب القصاص من الكوع ، ولكن للمجني عليه قطع الثلاث السليمة وحكومة الشلاوين .

                                                                                                                                                                        ويعود الخلاف في استتباع القصاص في الثلاث حكومة منابتها ، وفي استتباع حكومة الشلاوين حكومة منبتهما وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما عند الإمام والغزالي والبغوي : المنع ، وهو ظاهر نصه في " المختصر "

                                                                                                                                                                        والثاني : أنه يستتبع ، وبه قطع العراقيون .

                                                                                                                                                                        الخامسة : قطع كفا لها أصبع فقط خطأ ، وجبت دية تلك الأصبع ، والصحيح أنه تدخل حكومة منبتها فيها ، وأنه يجب حكومة باقي الكف ، وعلى الوجه المحكي في آخر المسألة الثانية : لا حكومة أصلا .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        في " التهذيب " أنه لو كانت أصابع إحدى يديه وكفها أقصر من الأخرى ، فلا قصاص في القصيرة ، لأنها ناقصة ، وفيها دية ناقصة بحكومة .

                                                                                                                                                                        السادسة : سبق أن الزائد من الأعضاء يقطع بالزائد إذا اتحد المحل ، وذكرنا خلافا في اشتراط التساوي في الحجم ، فلو فرض شخصان لكل منهما أصبع زائدة ، قطع أحدهما زائدة الآخر ، اقتص [ ص: 204 ] منه إذا حصل شرطه ، وكذا لو قطع أحدهما يد الآخر ، ولو قطع المعتدل يدا لها أصبع زائدة ، قطع ، وأخذ منه حكومة للزائدة ، سواء كانت معلومة بعينها أم لا .

                                                                                                                                                                        وإن شاء المجني عليه أخذ دية اليد وحكومة الزائدة ، ولو قطع صاحب الأصابع الست يد معتدل ، لم تقطع يده من الكوع إلا أن تكون الزائدة نابتة في الأصابع وللمجني عليه لقط الخمس الأصليات .

                                                                                                                                                                        ويعود الوجهان في استتباع قصاصها حكومة الكف ، فإن كانت الزائدة بجنب أصلية بحيث لو قطعت الأصلية سقطت الزائدة ، لم تقطع ، بل يقتصر على قطع الأربع ويأخذ دية الخامسة .

                                                                                                                                                                        ولو كانت نابتة على أصبع وأمكن قطع بعضها مع الأربع بأن كانت نابتة على الأنملة الوسطى من أنمله ، قطعت الأنملة العليا مع الأربع ، وأخذ ثلثا دية أصبع ، هذا إذا كانت في الست زائدة معلومة بعينها .

                                                                                                                                                                        أما إذا كانت الست كلها أصلية ، بأن انقسمت القوة في الست على ستة أجزاء متساوية في القوة والعمل بدلا عن القسمة على خمسة أجزاء ، فللمجني عليه أن يلتقط منها خمسا على الولاء من أي جانب شاء ، هكذا أطلق .

                                                                                                                                                                        ولك أن تقول : إن لم تكن الست على تقطيع الخمس المعهودة فهذا قريب ، وإن كانت على تقطيعها ، فمعلوم أن صورة الإبهام من الخمس تباين صورة باقيها ، فإن كانت التي تشبه الإبهام على طرف ، فينبغي أن يلقط الخمس من ذلك الجانب ، وإن وقعت ثانية وكانت التي تليها على الطرف كالملحقة بها ، فينبغي أن يلقط الخمس من الجانب الآخر .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : ويختلج في النفس أن يقال : ليس له لقط الخمس لوقوع الست على نظم يخالف نظم الخمسة المعتدلة ، ثم إنه لا يستكمل حقه بقطع الخمس لأنها خمسة أسداس اليد ، فله مع ذلك سدس الدية ، لكن يحط من السدس شيء لأن الخمس الملقوطة وإن كانت خمسة أسداس ، فهي في الصورة كالخمس المعتدلة ، وتقدير المحطوط إلى [ ص: 205 ] رأي المجتهد ، ولو بادر المقطوع فقطع الست ، قال البغوي : يعزر ولا شيء عليه ، ولو قيل : يلزمه شيء لزيادة الصورة ، لم يبعد ، ولو قطع صاحب الست أصبعا لمعتدل ، قطعت أصبعه ، وأخذ ما بين خمس دية اليد وسدسها ، وهو بعير وثلثا بعير ، لأن خمسها عشرة ، وسدسها ثمانية وثلث .

                                                                                                                                                                        وقياس ما سبق أن يقال : يحط من قدر التفاوت شيء ، ولو قطع معتدل اليد اليد الموصوفة ، قطعت يده ، وأخذ منه شيء للزيادة المشاهدة .

                                                                                                                                                                        كذا حكاه الإمام وغيره ، ولو قطع أصبعا ، لم يقتص ، لما فيه من استيفاء خمس سدس ، ولكن يأخذ منه سدس دية اليد ، ولو قطع أصبعين ، قطع منه أصبع ، وأخذ ما بين ثلث دية اليد وخمسها ، وهو ستة أبعرة وثلثان .

                                                                                                                                                                        ولو قطع ثلاثا ، قطع منه أصبعان وأخذ ما بين نصف دية اليد وخمسيها ، وهو خمسة أبعرة ، ولو بادر المجني عليه ، وقطع بأصبعه المقطوعة أصبعا منها قال الإمام : هو كمن قطع يدا شلاء فابتدر المجني عليه ، وقطع بها الصحيحة .

                                                                                                                                                                        المسألة السابعة : إذا قطع صاحب الست يد معتدل ، وقال أهل البصر : نعلم أن واحدة من الست زائدة ، وهي ملتبسة ، فليس للمجني عليه قطع الخمس ، لأن الزائدة لا تقطع بالأصلية عند اختلاف المحل ، ولا يؤمن أن تكون الزائدة هي إحدى المستوفيات .

                                                                                                                                                                        ولو بادر وقطع خمسا ، عزر ، ولا شيء له ، ولا شيء عليه ، لاحتمال أن المقطوعات أصليات ، وإن بادر وقطع الكل ، فعليه حكومة للزائدة ، وإن قال أهل البصر : لا ندري أهي كلها أصليات ، أم خمس منها أصلية ، وواحدة زائدة ، فلا قصاص أيضا .

                                                                                                                                                                        فلو قطع جميعها أو خمسا منها ، عزر ، ولا شيء له ، ولا عليه ، لأنه إن قطع الكل ، احتمل أنهن أصليات ، وإن قطع خمسا احتمل أن الباقية زائدة .

                                                                                                                                                                        الثامنة : في الزائدة من الأنامل قد أجرى الله سبحانه وتعالى العادة [ ص: 206 ] أن كل أصبع سوى الإبهام منقسمة ثلاثة أقسام وهي الأنامل الثلاث ، فلو انقسمت على خلاف العادة أصبع بأربع أنامل ، فلها حالان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن تكون الأربع أصلية عند أهل البصر ، وقد يستدل عليه بأن تكون غير مفرطة الطول ، وتناسب باقي الأصابع ، فإذا قطع صاحبها أنملة لمعتدل ، قطعت منه أنملة ، لكن لا يتم بها حق المجني عليه ، لأن أنملته ثلث الأصبع ، وهذه ربعها ، فيطالب بما بين الربع والثلث من دية أصبع ، وهو خمس أسداس بعير .

                                                                                                                                                                        وإن قطع أنملتين ، قطعنا منه أنملتين ، وطالبناه بما بين نصف دية الأصبع وثلثها ، وهو بعير وثلثا بعير ، وإن قطع أصبع معتدل بتمامها ، فهل يقطع أصبعه بها ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : نعم ، وبه قطع الغزالي والروياني ، وصححه الإمام ، وأصحهما عند البغوي : المنع ، فعلى هذا يقطع ثلاث أنامل هي ثلاثة أرباع حصته ، ويطالب بالتفاوت بين جميع الدية ، وثلاثة أرباعها ، وهو بعيران ونصف ، ولو بادر المجني عليه ، وقطع أصبعه ، عزر ولا شيء عليه .

                                                                                                                                                                        ولو قطع معتدل أنملة من له هذه الأصبع ، لم تقطع أنملته ، لكن يؤخذ منه ربع دية أصبع ، ولو قطع أنملتين ، فللمجني عليه أن يقطع منه أنملة ويأخذ بعيرا وثلثين ، ولو قطع ثلاث أنامل ، فله أن يقطع أنملتين ويأخذ خمسة أسداس بعير ، ولو قطع الأصبع بتمامها ، قطعت أصبعه ، ولم يلزمه شيء آخر ، هكذا ذكره الإمام والروياني .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن تكون الأنملة العليا زائدة خارجة عن أصل الخلقة ، فإن قطع صاحبها أصبع معتدل ، لم يقطع أصبعه ، لما فيها من الزيادة ، وتؤخذ منه الدية ، ولو قطعها معتدل ، قطعت أصبعه ، وأخذت منه حكومة للزائدة ، وتختلف الحكومة بكون الزائدة عاملة أم لا ، ولو قطع المعتدل أنملة منها ، فلا قصاص ، وعليه الحكومة ، ولو قطع [ ص: 207 ] أنملتين ، قطع منه أنملة وأخذت الحكومة للزائدة ، ولو قطع ثلاثا ، قطعت منه أنملتان وأخذت الحكومة .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو كان لأنملة طرفان ، أحدهما أصلي عامل ، والآخر زائد غير عامل ، ففي الأصل القصاص والأرش الكامل ، وفي الآخر الحكومة .

                                                                                                                                                                        ولو قطع صاحبها أنملة معتدل ، قطع منه الأصلي إن أمكن إفراده ، وإن كانا عاملين مشتدين ، قال الإمام : القول فيهما قريب من القول في الأصابع الست الأصليات ، وإن قطع المعتدل أحد الطرفين ، لم تقطع أنملته ، وإن قطعهما معا ، قطعت أنملته ، ولزمه لزيادة الخلقة شيء .

                                                                                                                                                                        وإن قطع صاحبها أنملة معتدل ، لم يقطع طرفا أنملته ، بل يختار المقطوع أحدهما فيقطعه ، ويأخذ معه نصف الأرش ، ويحط منه شيء ، هذا كله إذا نبت طرفا تلك الأنملة على رأس الأنملة الوسطى .

                                                                                                                                                                        فلو لقي رأسها عظم ، ثم انشعب الطرفان من ذلك العظم ، فإن لم يكن مفصل بين العظم وبينها ، فليس ذلك موضع القصاص ، وإن كان لكل طرف مفصل هناك ، فالعظم الحائل بين الشعبتين والأنملة الوسطى أنملة أخرى ، وهي أصبع لها أربع أنامل ، والعليا منها ذات طرفين .

                                                                                                                                                                        ولو كان على الساعد كفان ، أو على الساق قدمان ، فحكمه كالأنملتين على رأس أصبع .

                                                                                                                                                                        المسألة التاسعة : لو كانت أصبع ليس لها إلا أنملتان ، وهي تناسب سائر الأصابع في الطول ، فللإمام فيه احتمالان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : ليست أصبعا تامة ، وإنما هي أنملتان ، وأصحهما : أنها أصبع تامة ، لكنها ذات قسمين ، كما لو كان لها أربع أنامل كانت أصبعا ذات أربع أقسام .

                                                                                                                                                                        ولو وجدت أصبع لا مفصل لها ، قال الإمام : الأرجح [ ص: 208 ] عندي نقصان شيء من الدية ، لأن الانثناء إذا زال ، سقط معظم منافع الأصبع ، وقد ينجر هذا إلى أن لا تقطع أصبع السليم بها .

                                                                                                                                                                        العاشرة : سليم اليد قطع الأنملة الوسطى من فاقد العليا ، فلا سبيل إلى الاقتصاص مع بقاء العليا ، فإن سقطت بآفة أو جناية ، اقتص من الوسطى .

                                                                                                                                                                        وللقفال احتمال أنه لا يقتص ، ومثله لو قطع السليم كفا لا أصابع لها ، فحكمه ما ذكرنا ، فلو بادر المجني عليه فقطع الوسطى مع العليا ، فقد تعدى ، وعليه أرش العليا ، ولو أراد طلب أرش الوسطى في الحال للحيلولة ، فليس له ذلك على الصحيح إلا أن يعفو .

                                                                                                                                                                        ولو كانت العليا مستحقة القطع قصاصا ، فليس له أيضا طلب أرش الوسطى من غير عفو على الأصح .

                                                                                                                                                                        وقيل : له ، لأن استيفاء القصاص مرتقب ، ومن صور استحقاق العليا بالقصاص ما نص عليه في " المختصر " وهو أن تقطع الأنملة العليا من رجل ، والوسطى من آخر فاقد للعليا ، فلصاحب العليا القصاص فيها أولا ، وإن كان قطعه متأخرا ، فإن طلب القصاص ، اقتص ، ويمكن مستحق الوسطى من استيفائها .

                                                                                                                                                                        قال أبو بكر الطوسي : ولو اتفقا على وضع الحديدة على مفصل الوسطى واستوفيا الأنملتين بقطعة واحدة ، جاز ، وقد هونا الأمر عليه ، وإن لم يطلب صاحب العليا القصاص ، صبر صاحب الوسطى أو عفا .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        قطع الأنملة العليا لرجل ، والعليا والوسطى لغيره ، نظر ، إن سبق قطع الأنملة ، فلصاحبها الاقتصاص فيها ، ويتخير الآخر بين أن تقطع الوسطى ، ويأخذ دية العليا ، وبين أن يعفو ويأخذ ديتهما ، ولو بادر صاحب الأنملتين فقطعهما ، كان مستوفيا لحقه ، ويأخذ الآخر دية العليا من الجاني .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية