الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1643 [ ص: 121 ] حديث أول لابن حماس

مالك عن ابن حماس عن عمه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب ، فيغذي على بعض سواري المسجد ، أو على المنبر ، فقالوا : يا رسول الله ، فلمن تكون الثمار ذلك الزمان ؟ قال : للعوافي : الطير والسباع .

التالي السابق


هكذا قال : يحيى في هذا الحديث عن مالك عن ابن حماس عن عمه ، عن أبي هريرة لم يسم ابن حماس بشيء .

وقال أبو المصعب : مالك عن يونس بن يوسف بن حماس عن عمه ، عن أبي هريرة وكذلك قال : معن بن عيسى وعبد الله بن يوسف التنيسي : يونس بن يوسف .

وقال ابن القاسم حدثني مالك عن يوسف بن يونس بن حماس عن عمه ، عن أبي هريرة وكذلك قال : ابن بكير وسعيد بن أبي مريم ومطرف وابن نافع وعبد الله بن وهب وسعيد بن عفير ومحمد بن المبارك وسليمان بن برد ومصعب الزبيري كلهم قال : يوسف بن يونس .

[ ص: 122 ] وقال فيه زيد بن الحباب عن مالك عن يوسف بن حماس عن عمه ، عن أبي هريرة .

وقد قيل : عن عبد الله بن يوسف مثل ذلك أيضا .

وقد روى عن سعيد بن أبي مريم في هذا الحديث يونس بن يوسف حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر بن إسحاق قالا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا مالك عن يونس بن يوسف بن حماس عن عمه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب فيغذي على بعض سواري المسجد ، أو على المنبر قالوا : يا رسول الله ، فلمن تكون الثمار ذلك الزمان قال : للعوافي : الطير والسباع .

وقال القعنبي في هذا الحديث : مالك أنه بلغه ، عن أبي هريرة لم يذكر اسم أحد ، وجعل الحديث بلاغا ، عن أبي هريرة وهذا الاضطراب يدل على أن ذلك جاء من قبل مالك والله أعلم .

ورواية يحيى في ذلك حسنة ; لأنه سلم من التخليط في الاسم ، وأظن أن مالكا لما اضطرب حفظه في اسم هذا الرجل ، رجع إلى إسقاط اسمه ، وقال : عن ابن حماس .

ويحيى من آخر من عرض عليه الموطأ ، وشهد وفاته ، ويقال إن القعنبي شهد وفاته أيضا ، ولذلك انصرف إلى العراق .

[ ص: 123 ] وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لتتركن المدينة أحسن ما كانت دليل على علم الغيب بما كان ينبأ به ، ويطلع عليه من الوحي ، وفي ذلك علم واضح من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - .

وأما قوله : فيغذي على بعض سواري المسجد ، فمعناه أن الذئب يبول على سواري المسجد ، أو على المنبر شك المحدث ، وذلك لخلاء المدينة من أهلها ذلك الزمان ، وخروج الناس عنها ، وتغير الإسلام فيها حتى لا يكون بها من يهتبل بالمسجد فيصونه ويحرسه ، يقال من هذا الفعل غذت المرأة وليدها ، بالتشديد إذا أبالته أي حملته على البول ، وجعلته يبول ، وغذت ولدها بالتخفيف إذا أطعمته وربته من الغذاء .

وأما قوله في هذا الحديث للعوافي الطير والسباع .

فالطير والسباع تفسير للعوافي ، وهو تفسير صحيح ، عن أهل الفقه ، وأهل اللغة أيضا ، ومما يعضد هذا التفسير أيضا حديث أم سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما من مسلم يحيي أرضا فتشرب منها كبد حرى ، أو تصيب منه عافية إلا كتب الله له بها أجرا .

والعافية واحدة العوافي ، والعافي ههنا : الطالب لما يأخذ ويأكل .

قال الأعشى :


تطوف العفاة بأبوابه كطوف النصارى ببيت الوثن



[ ص: 124 ] وقال أعرابي يمدح خالد بن برمك :


أخالد إني لم أزرك لحاجة ولكنني عاف وأنت جواد



ولهذه اللفظة معان في اللغة مختلفة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبيد الله بن عبد الواحد قال : حدثنا علي بن المديني قال : حدثنا وهب بن جرير بن حازم حدثني أبي ، سمعت الأعمش يحدث ، عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن حبيب بن جماز عن أبي ذر قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا ذا الحليفة ، فتعجل رجال إلى المدينة فباتوا بها ، فلما أصبح ، سأل عنهم فقيل : تعجلوا إلى المدينة ، وإلى النساء ، فقال : تعجلوا إلى المدينة ، أما إنهم سيتركونها ، وهي أحسن ما كانت .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا أبان قال : حدثنا يحيى عن أبي جعفر عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليتركن المدينة أهلها خير ما كانت نصفين : رطبا وزهوا ، قال : ومن يخرجهم منها يا أبا هريرة ؟ قال : أمراء السوء .

قال : إسماعيل هكذا حدثنا به مسلم مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .




الخدمات العلمية