الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

" وإذا كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها فحيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة ؛ لأنه غالب عادات النساء " .

[ ص: 509 ] ظاهر المذهب أن من لا عادة لها ولا تمييز ، تحيض غالب حيض النساء ستا أو سبعا ، سواء كانت مبتدأة أو ناسية لعادتها ، وعنه : أنها تحيض أقل الحيض ؛ لأن ما زاد على ذلك يحتمل الحيض والاستحاضة ، والصلاة ثابتة في ذمتها بيقين ، فلا تتركها بالشك ، لا سيما ومن أصلنا أنا نحتاط بذلك قبل الاستحاضة ، بقي حال الاستحاضة أولى .

وعنه في المبتدأة : أنها تحيض أكثر الحيض ؛ لأن الأصل في الخارج أن يكون دم حيض ، فتعمل بذلك ما لم تتيقن كونه استحاضة ، ولا تتيقن ذلك إلا بمجاوزة الأكثر ، وعنه : أنها تحيض مثل حيض نسائها من أمها وأختها وعمتها وخالتها ؛ لأن اشتراك الأقارب في الأمور العادية والقوى الطبيعية أقرب ، ثم خرج القاضي في الناسية مثل هاتين الروايتين ؛ لأنها مستحاضة ، لا عادة لها ولا تمييز ، وامتنع غيره من التخريج ؛ تفريقا بينهما بأن حيضها أكثر الحيض ، أو ما زاد على غالب عادات النساء يفضي إلى المشقة عليها إذا انكشف الأمر وذكرت العادة ؛ لأنها تقضي حينئذ ما تركته من الصلوات بخلاف المبتدأة فإنه لا يرجى انكشاف حيضها ، والأول أصح ؛ لما روت حمنة بنت جحش أنها قالت : يا رسول الله ، إني استحضت حيضة كبيرة شديدة ، فما ترى فيها ، قد منعتني الصلاة والصيام ؟ فقال : " أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم " ، قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : " فاتخذي ثوبا " ، قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : " فتلجمي " ، قالت : إنما أثج ثجا ، فقال : " سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر ، فإن قويت عليهما فأنت أعلم " ، فقال لها : " إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان ، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي ، فإن ذلك يجزيك ، وكذلك فافعلي في كل شهر ، كما تحيض النساء وكما يطهرن ، ميقات حيضهن وطهرهن ، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ، فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا ، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين ، فافعلي ، وتغتسلين مع الفجر وتصلين ، فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا أعجب الأمرين إلي " رواه أحمد ، [ ص: 510 ] وأبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وكذلك صححه الإمام أحمد .

وفي لفظ لأحمد وابن ماجه : " تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ، ثم اغتسلي غسلا وصلي وصومي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين " ، وهذه المرأة لم تكن متميزة ولا معتادة ، إذ لو كانت كذلك لردها إليه ، ولم تكن مبتدأة ؛ لأنها كانت عجوزا كبيرة ، قد حاضت قبل ذلك . هكذا قال الإمام أحمد وإسحاق ، ثم لم يسألها هل حاضت قبل ذلك أو لم تحض ، ولو اختلف الحال لسألها ، ولأن الست أو السبع أغلب الحيض ، فيلحق المشتبه بالغالب ، إذ الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب دون النادر .

التالي السابق


الخدمات العلمية