الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويستحب أن يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام حذو منكبيه ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ) } .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم ، وأجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام ، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع فيه ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام ، والزيدية لا يعتد بهم في الإجماع ، ونقل المتولي عن بعض العلماء أنه أوجب الرفع ، ورأيت أنا فيما علق من فتاوى القفال أن الإمام البارع في الحديث والفقه أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي من متقدمي أصحابنا في طبقة المزني قال : إذا لم يرفع يديه لتكبيرة الإحرام لا تصح صلاته ; لأنها واجبة فوجب الرفع بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع لها ; لأنها غير واجبة ، وهذا الذي قاله مردود بإجماع من قبله .

                                      وأما محل الرفع فقال الشافعي في الأم ومختصر المزني والأصحاب : يرفع حذو منكبيه ، والمراد أن تحاذي راحتاه منكبيه . قال الرافعي والمذهب أنه [ ص: 263 ] يرفعهما بحيث يحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه ، وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه وهذا معنى قول الشافعي والأصحاب رحمهم الله : يرفعهما حذو منكبيه ، وهكذا قاله المتولي والبغوي والغزالي ، وقد جمع الشافعي بين الروايات بما ذكرناه ، وكذا نقل القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون عن الشافعي أنه جمع بين الروايات الثلاث بهذا ، قال الرافعي وأما قول الغزالي في الوجيز فيه ثلاثة أقوال فمنكر لا يعرف لغيره . ونقل إمام الحرمين في المسألة قولين :

                                      ( أحدهما ) يرفع حذو المنكبين :

                                      ( والثاني ) حذو الأذنين ، وهذا الثاني غريب عن الشافعي وإنما حكاه أصحابنا العراقيون وغيرهم عن أبي حنيفة وعدوه من مسائل الخلاف ، وقد روى الرفع إلى حذو المنكبين مع ابن عمر أبو حميد الساعدي رواه البخاري ، ورواه أبو داود أيضا من رواية علي رضي الله عنه . وروى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه } وفي رواية " فروع أذنيه " رواه مسلم وعن وائل بن حجر نحوه رواه مسلم ، وفي رواية لأبي داود في حديث وائل { رفع يديه حتى كانتا حيال منكبيه ، وحاذى بإبهاميه أذنيه } لكن إسنادها منقطع ; لأنه من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه ولم يسمع منه . وقيل أنه ولد بعد وفاة أبيه ، وذكر البغوي في شرح السنة أن الشافعي - رحمه الله - جمع بين رواية المنكبين ورواية الأذنين على ما في هذه الرواية ، وهي ضعيفة أيضا عن وائل : " رفع إبهاميه إلى شحمتي أذنيه " والمذهب الرفع حذو المنكبين كما قدمناه ، ورجحه الشافعي والأصحاب بأنه أصح إسنادا وأكثر رواية ; لأن الرواية اختلفت عمن روى إلى محاذاة الأذنين بخلاف من روى حذو المنكبين والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في محل رفع اليدين : ذكرنا أن مذهبنا المشهور أنه يرفع حذو منكبيه ، وبه قال عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما ومالك وأحمد وإسحاق وابن المنذر . وقال أبو حنيفة حذو أذنيه ، وعن أحمد رواية أنه يتخير بينهما ولا فضيلة لأحدهما ، وحكاه ابن المنذر عن بعض أهل الحديث واستحسنه ، وحكى العبيدي عن طاوس أنه رفع يديه حتى تجاوز بهما رأسه ، وهذا باطل لا أصل له . .




                                      الخدمات العلمية