الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى ما بعد موت المدبر فمنها عتق المدبر ; لأن عتقه كان معلقا بموت المولى والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط ، ويستوي فيه المدبر المطلق والمقيد ; لأن عتق كل واحد منهما معلق بالشرط .

                                                                                                                                إلا أن الشرط في المقيد الموت الموصوف بصفة ، فإذا وجد ذلك فقد وجد الشرط فينزل المعلق وسواء كان الموت حقيقة أم حكما بالردة ، بأن ارتد المولى عن الإسلام والعياذ بالله ولحق بدار الحرب ; لأن الردة مع اللحاق بدار الحرب تجري مجرى الموت في زوال الأملاك .

                                                                                                                                وكذا المستأمن إذا اشترى عبدا في دار الإسلام فدبره ولحق بدار الحرب فاسترق الحربي عتق مدبره ; لأن الاسترقاق أوجب زوال ملكه عن أمواله حكما فكان بمنزلة الموت ، وكذا ولد المدبرة الذي ليس من مولاها ; لأنه تبعها في حق الحرية ، فكذا في حقيقة الحرية ، ويستوي فيه المطلق والمقيد ; لأن معنى التبعية لا يوجب الفصل ، ومنها أن عتقه يحسب من ثلث مال المولى ، وهذا قول عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن جبير وشريح والحسن وابن سيرين رضي الله عنهم وروي عن عبد الله بن مسعود أن عتقه من جميع المال ، وهو قول إبراهيم النخعي وحماد وجعلوه كأم الولد ولنا ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث } ولأن التدبير وصية ، والوصية تعتبر من ثلث المال كسائر الوصايا وسواء كان التدبير في المرض ، أو في الصحة ; لأنه وصية في الحالين ، وسواء كان التدبير مطلقا أو مقيدا لعموم الحديث ، إلا أنه خص منه [ ص: 123 ] المقيد في حق البيع والهبة فيعمل بعمومه في حق الاعتبار من الثلث ، ولأن معنى الوصية يوجد في النوعين ، وأنه يقتضي اعتباره من الثلث ، ويعتبر ثلث المال يوم موت المولى ; لأن في الوصايا هكذا يعتبر ، وإذا كان اعتبار عتقه من ثلث المال فإن كان كله يخرج من ثلث مال المولى بأن كان له مال آخر سواه يعتق كله ، ولا سعاية عليه ، وإن لم يكن له مال آخر غيره عتق ثلثه ، ويسعى في الثلثين للورثة .

                                                                                                                                هذا إذا لم يكن على المولى دين فإن كان عليه دين يسعى في جميع قيمته في قضاء ديون المولى ; لأن الدين مقدم على الوصية ومنها أن ولاء المدبر للمدبر ; لأنه المعتق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } ولا ينتقل هذا الولاء عن المدبر وإن عتق المدبر من جهة غيره كمدبرة بين اثنين ، جاءت بولد فادعاه أحدهما .

                                                                                                                                ثبت نسبه منه وعتق عليه وغرم نصيب شريكه من الولد ، والولاء بينهما ; لأن حق الحرية ثابت في الحال عندنا ، وأنه يثبت حق الولاء وهو لا يحتمل الفسخ ، وكذا المدبر بين شريكين أعتقه أحدهما وهو موسر فضمن عتق بالضمان ولم يتغير الولاء عن الشركة في قول أبي حنيفة لما ذكرنا فيما تقدم وعلى قول أبي يوسف ومحمد إذا أعتق أحدهما نصيبه عتق جميعه والولاء بينهما .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية