الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن تعلق هذه الآية هو بقوله تعالى : ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله ) فكأنه قال : فإن الله لا يظلم من هذه حاله مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ، فرغب بذلك في الإيمان والطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذه الآية مشتملة على الوعد بأمور ثلاثة :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قوله تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الذرة : النملة الحمراء الصغيرة في قول أهل اللغة . وروي عن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها ، ثم قال : كل واحد من هذه الأشياء ذرة ، و " مثقال " مفعال من الثقل ، يقال : هذا على مثقال هذا ، أي وزن هذا ، ومعنى " مثقال ذرة " أي ما يكون وزنه وزن الذرة .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن المراد من الآية أنه تعالى لا يظلم قليلا ولا كثيرا ، ولكن الكلام خرج على أصغر ما يتعارفه الناس يدل عليه قوله تعالى : ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ) [ يونس : 44 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قالت المعتزلة : دلت هذه الآية على أنه تعالى ليس خالقا لأعمال العباد ؛ لأن من جملة تلك الأعمال ظلم بعضهم بعضا ، فلو كان موجد ذلك الظلم هو الله تعالى لكان الظالم هو الله ، وأيضا لو خلق الظلم في الظالم ولا قدرة لذلك الظالم على تحصيل ذلك الظلم عند عدمه ولا على دفعه بعد وجوده ، ثم إنه تعالى يقول لمن هذا شأنه وصفته : لم ظلمت ؟ ثم يعاقبه عليه ، كان هذا محض الظلم ، والآية دالة على كونه تعالى منزها عن الظلم .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : المعارضة بالعلم والداعي على ما سبق مرارا لا حد لها ، وقد ذكرنا أن استدلالات هؤلاء المعتزلة وإن كثرت وعظمت ، إلا أنها ترجع إلى حرف واحد ، وهو التمسك بالمدح والذم والثواب والعقاب ، والسؤال على هذا الحرف معين ، وهو المعارضة بالعلم والداعي ، فكلما أعادوا ذلك الاستدلال أعدنا عليهم هذا السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 83 ]

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية