الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) : وإذا دفع الراهن الرهن إلى المرتهن أو إلى العدل فأراد أن يأخذه من يديه لخدمة أو غيرها فليس له ذلك فإن أعتقه فإن مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء في العبد يكون رهنا فيعتقه سيده فإن العتق باطل أو مردود .

( قال الشافعي ) : وهذا له وجه ، ووجهه أن يقول قائله إذا كان العبد بالحق الذي جعله فيه محولا بينه وبين أن يأخذه ساعة يخدمه فهو من أن يعتقه أبعد فإذا كان في حال لا يجوز له فيها عتقه وأبطل الحاكم فيها عتقه ثم فكه بعد لم يعتق بعتق قد أبطله الحاكم .

( وقال ) : بعض أصحابنا إذا أعتقه الراهن نظرت فإن كان له مال يفي بقيمة العبد أخذت قيمته منه فجعلتها رهنا وأنفذت عتقه ; لأنه مالك . قال : وكذلك إن أبرأه صاحب الدين أو قضاه فرجع العبد إلى مالكه وانفسخ الدين الذي في عتقه أنفذت عليه العتق ; لأنه مالك ، وإنما العلة التي منعت بها عتقه حق غيره في عتقه فلما انفسخ ذلك أنفذت فيه العتق .

( قال الشافعي ) : وقد قال بعض الناس هو حر ويسعى في قيمته والذي يقول هو حر يقول ليس لسيد العبد أن يبيعه وهو مالك له ، ولا يرهنه ، ولا يقبضه ساعة ، وإذا قيل له لم وهو مالك قد باع بيعا صحيحا قال فيه حق لغيره حال بينه وبين أن يخرجه من الرهن فقيل له فإذا منعته أن يخرجه من الرهن بعوض يأخذه لعله أن يؤديه إلى صاحبه أو يعطيه إياه رهنا مكانه أو قال أبيعه لا يتلف ثم أدفع الثمن رهنا فقلت لا إلا برضا المرتهن ومنعته وهو مالك أن يرهنه من غيره فأبطلت الرهن إن فعل ومنعته وهو مالك أن يخدمه ساعة ، وكانت حجتك فيه أنه قد أوجب فيه شيئا لغيره فكيف أجزت له أن يعتقه فيخرجه من الرهن الإخراج الذي لا يعود فيه أبدا لقد منعته من الأقل وأعطيته الأكثر فإن قال استسعيه فالاستسعاء أيضا ظلم للعبد وللمرتهن .

أرأيت إن كانت أمة تساوي ألوفا ويعلم أنها عاجزة عن اكتساب نفقتها في أي شيء تسعى . أو رأيت إن كان الدين حالا أو إلى أي يوم فأعتقه ، ولعل العبد يهلك ، ولا مال له والأمة فيبطل حق هذا أو يسعى فيه مائة سنة ثم لعله لا يؤدي منه كبير شيء ، ولعل الراهن مفلس لا يجد درهما فقد أتلفت حق صاحب الرهن ، ولم ينتفع برهنه فمرة تجعل الدين يهلك إذا هلك الرهن ; لأنه فيه زعيم ومرة تنظر إلى الذي فيه الدين فتجيز فيه عتق صاحبه وتتلف فيه حق الغريم وهذا قول متباين ، وإنما يرتهن الرجل بحقه فيكون أحسن حالا ممن لم [ ص: 200 ] يرتهن والمرتهن في أكثر قول من قال هذا أسوأ حالا من الذي لم يرتهن وما شيء أيسر على من يستخف بذمته من أن يسأل صاحب الرهن أن يعيره إياه إما يخدمه أو يرهنه فإذا أبى قال لأخرجنه من يدك فأعتقه فتلف حق المرتهن ، ولم يجد عند الراهن وفاء .

( قال الشافعي ) : ولا أدري أيراه يرجع بالدين على الغريم المعتق أم لا ( قال الشافعي ) : فإن قال قائل لم أجزت العتق فيه إذا كان له مال ، ولم تقل ما قال فيه عطاء ؟ قيل له كل مالك يجوز عتقه إلا لعلة حق غيره فإذا كان عتقه إياه يتلف حق غيره لم أجزه ، وإذا لم يكن يتلف لغيره حقا وكنت آخذ العوض منه وأصيره رهنا كهو فقد ذهبت العلة التي بها كنت مبطلا للعتق ، وكذلك إذا أدى الحق الذي فيه استيفاء من المرتهن أو إبراء ، ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا ، وإن رهنه رهنا فما قبضه هو ، ولا عدل يضعه على يديه فالرهن مفسوخ والقبض ما وصفت في صدر الكتاب مختلف .

قال : وإن قبضه ثم أعاره إياه أو آجره إياه هو أو العدل ، فقال بعض أصحابنا : لا يخرجه هذا من الرهن ; لأنه إذا أعاره إياه فمتى شاء أخذه ، وإذا آجره فهو كالأجنبي يؤاجر الرهن إذا أذن له سيده والإجارة للمالك فإذا كانت للمالك فلصاحب الرهن أن يأخذ الرهن ; لأن الإجارة منفسخة وهكذا تقول ( قال الشافعي ) : فإن تبايعا على أن يرهنه فرهنه ، وقبض أو رهنه بعد البيع فكل ذلك جائز ، وإذا رهنه فليس له إخراجه من الرهن فهو كالضمان يجوز بعد البيع وعنده . ( قال الشافعي ) فإن تبايعا على أن يرهنه عبدا فإذا هو حر فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إثباته ; لأنه قد بايعه على وثيقة فلم تتم له ، وإن تبايعا على رهنه فلم يقبضه فالرهن مفسوخ ; لأنه لا يجوز إلا مقبوضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية