الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 88 ] الطرف الرابع : التغريب . وأصله : قوله - عليه السلام - : ( الثيب بالثيب رجم بالحجارة ، والبكر بالبكر جلد مائة ، وتغريب عام ) . وفي الكتاب : لا تغرب النساء والعبيد ، وينفى الحر في الزنا ، ويبقى في الموضع الذي ينفى إليه سنة . وفي الحرابة حتى تعرف توبته . ووافقنا ( ح ) وأحمد ، وقال ( ش ) : تغرب النساء . وله في الإماء والعبيد قولان . لنا : ما في الصحيحين : قال - عليه السلام - لما سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال - عليه السلام - ( إذا زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير ) . ولو كان تغريب لذكره - عليه السلام - لأن جوابه تمهيد قاعدة ، وتأسيس لحكم ، لا يترك من شأنه شيئا . وفي النساء معهن قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، ولم يذكر تغريبا . أجمعنا على تخصيصه بالمحصن من الأحرار ، بقي حجة في غيره ، ولأن التغريب في الرجل ; لينقطع عن معاشه ، وتلحقه الذلة بغير بلده . والمرأة لا معيشة لها ، ويجب حفظها وضبطها عن الفساد ، وفي تغريبها إعانة على فسادها وتعريضها للزنا . وفي الرقيق حقوق السادات في الخدمة : فيتأذى بالتغريب غير الجاني . احتجوا بحديث ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) [ ص: 89 ] وهو عام . والجواب : أنه مخصوص بما ذكرنا ، ولأن المرأة إن غربت مع محرم غرب من ليس بزان ، أو مع غير ذي محرم خولف قوله - عليه السلام - ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) ، ومنع ( ح ) التغريب مطلقا . لنا عليه الحديث المتقدم . احتج بأن القرآن أثبت الحدود بغير تغريب ، فلو ثبت التغريب بالسنة ، لكان زيادة على النص ، والزيادة على النص نسخ ، ونسخ القرآن بالسنة غير جائز . والجواب : منع أن الزيادة نسخ ، وفي النكت : إنما فرق بين الزنا والحرابة ; لأن المحارب جاهر بالظلم ، وعظم ضرره ، فاشترطت توبته بخلاف الزاني . وتحسب السنة من يوم حبس ، ونفقة حمله ، وحمل المحارب وحسبهما على أنفسهما ، فإن أعدما فبيت المال . قال ابن يونس : قال مالك : كان ينفى عندنا إلى فدك وخيبر ، ونفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين ، قال ( وهو رأي ) قال محمد : إلى الموضع القريب ، ولا يحبس ، ويترك اليوم بعد الأيام للمسألة والمعاش . وقال اللخمي : كل من فيه بقية رق كأم الولد ونحوها . وفي المنتقى عن مالك : ينفى من مصر إلى الحجاز ، قال ابن القاسم : من مصر إلى أسوان ، ودون ذلك حيث يثبت له حكم الاغتراب . ولا يكثر البعد ; لئلا يتعذر وصول منفعة ماله وأهله إليه ، ويكتب إلى والي البلد بسجنه سنة عنده ، ويؤرخ يوم سجنه . قاله ابن القاسم : وفي الجواهر : إن عاد المغرب ، أخرجناه ثانيا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية