الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( فإذا فرغ من التكبير فالمستحب أن يضع اليمين على اليسار فيضع اليمين على بعض الكف وبعض الرسغ ، لما روى وائل بن حجر قال : { قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فنظرت إليه وقد وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى ، والرسغ والساعد } والمستحب أن يجعلهما تحت الصدر لما { روى وائل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى } )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) أما حديث وائل فسنبينه في فرعي مسألتي الخلافين إن شاء الله تعالى ، وأما اليد اليسار - فبفتح الياء وكسرها - لغتان والفتح أفصح وأشهر والرسغ بضم الراء وإسكان السين المهملة - وبالغين المعجمة - قال الجوهري : ويقال بضم السين وجمعه أرساغ ، ويقال رصغ بالصاد ، وكذا جاء في هذا الحديث كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى ، والسين أفصح وأشهر ، وهو المفصل بين الكف والساعد . ووائل بن حجر - بضم الحاء المهملة وبعدها جيم ساكنة - وكان وائل من كبار العرب وأولاد ملوك حمير ، كنيته أبو هنيدة نزل الكوفة وعاش إلى أيام معاوية . قال أصحابنا : السنة أن يحط يديه بعد التكبير ، ويضع اليمنى على اليسرى ، ويقبض بكف اليمنى كوع اليسرى وبعض رسغها وساعدها ، قال [ ص: 268 ] القفال يتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد ، ويجعلهما تحت صدره وفوق سرته ، هذا هو الصحيح المنصوص ، وفيه وجه مشهور لأبي إسحاق المروزي أنه يجعلهما تحت سرته ، والمذهب الأول . قال الرافعي واختلفوا في أنه إذا أرسل يديه هل يرسلهما إرسالا بليغا ، ثم يستأنف رفعهما إلى تحت صدره ووضع اليمنى على اليسرى أم يرسلهما إرسالا خفيفا إلى تحت صدره فقط ثم يضع ؟ قلت : الثاني أصح ، وبه قطع الغزالي في تدريبه وجزم في الخلاصة بالأول .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في وضع اليمنى على اليسرى . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه سنة ، وبه قال علي بن أبي طالب وأبو هريرة وعائشة وآخرون من الصحابة رضي الله عنهم وسعيد بن جبير والنخعي وأبو مجلز وآخرون من التابعين ، وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وجمهور العلماء ، قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وحكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري والنخعي : أنه يرسل يديه ولا يضع إحداهما على الأخرى ، وحكاه القاضي أبو الطيب أيضا عن ابن سيرين وقال الليث بن سعد : يرسلهما ، فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة . وقال الأوزاعي هو مخير بين الوضع والإرسال ، وروى ابن عبد الحكم عن مالك الوضع ، وروى عنه ابن القاسم الإرسال وهو الأشهر وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه أو جمهورهم ، واحتج لهم بحديث المسيء صلاته بأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الصلاة ولم يذكر وضع اليمنى على اليسرى . واحتج أصحابنا بحديث أبي حازم { عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه في الصلاة } قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ، وهذه العبارة صريحة في الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن وائل بن حجر أنه { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في [ ص: 269 ] الصلاة ، ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى } رواه مسلم بهذا اللفظ .

                                      وعن وائل بن حجر أيضا قال : " { قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يده حتى حاذى أذنيه ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد } رواه أبو داود بإسناد صحيح ، وهكذا هو في رواية أبي داود والبيهقي وغيرهما . الرصغ بالصاد .

                                      وعن ابن مسعود { أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى } رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ، وعن هلب الطائي قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه } رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وعن ابن الزبير قال : { صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة } رواه أبو داود بإسناد حسن ، وعن محمد بن أبان الأنصاري عن عائشة قالت : { ثلاثة من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة } رواه البيهقي وقال : هذا صحيح عن محمد بن أبان ( قلت ) محمد هذا مجهول ، قال البخاري : لا يعرف له سماع من عائشة ، وفي الباب عن جابر وابن عباس وغيرهما من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد رواها الدارقطني والبيهقي وغيرهما ، وفيما ذكرناه أبلغ كفاية .

                                      قال أصحابنا : ولأن وضع اليد على اليد أسلم له من العبث وأحسن في التواضع والتضرع والتذلل ، وأما الجواب عن حديث المسيء صلاته فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه إلا الواجبات فقط والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهبهم في محل موضع اليدين : قد ذكرنا أن مذهبنا أن المستحب جعلهما تحت صدره فوق سرته وبهذا قال سعيد بن جبير وداود ، وقال أبو حنيفة والثوري وإسحاق يجعلهما تحت سرته ، وبه قال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا كما سبق ، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة والنخعي وأبي مجلز وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه روايتان ، إحداهما : فوق السرة ، والثانية تحتها ، وعن أحمد ثلاث روايات هاتان ، [ ص: 270 ] والثالثة يتخير بينهما ولا تفضيل وقال ابن المنذر في غير الأشراف أظنه في الأوسط : لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء وهو مخير بينهما .

                                      واحتج من قال : تحت السرة بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : { من السنة في الصلاة وضع الكف على الكف تحت السرة } واحتج أصحابنا بحديث وائل بن حجر قال : { صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره } رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه وأما ما احتجوا به من حديث علي فرواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما ، واتفقوا على تضعيفه ; لأنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف باتفاق أئمة الجرح والتعديل والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية