الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 254 ] وللحج حضور جزء عرفة ساعة ليلة النحر ، ولو مر إن نواه ، [ ص: 255 ] أو بإغماء قبل الزوال ، أو أخطأ الجم بعاشر [ ص: 256 ] فقط [ ص: 257 ] لا الجاهل : كبطن عرنة ، وأجزأ بمسجدها بكره ، وصلى ولو فات .

[ ص: 254 ]

التالي السابق


[ ص: 254 ] و ) الركن ( للحج ) وحده ( حضور جزء عرفة ) أي الكون فيها مطمئنا سواء وقف أو جلس أو اضطجع أو ركب علم أنها عرفة أم لا ، ولذا عدل عن وقوف المشهور إلى حضور وإضافة حضور إلى جزء بمعنى في فلا يقال معنى الحضور المشاهد فتصدق العبارة بمن شاهدها وهو خارج عنها . وليس بمراد وإضافة جزء عرفة بمعنى اللام أي : في جزء منسوب لعرفة نسبة الجزء لكله لا بمعنى من لعدم صحة الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف كيد زيد لخبر { عرفة كلها موقف } { وارتفعوا عن بطن عرفة } . والأفضل الوقوف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرات الكبار المطروحة قرب جبل الرحمة وهو في وسط عرفة .

ووقت الحضور قوله ( ساعة ) أي : جزء من الزمان ( من ) ساعات ( ليلة ) يوم ( النحر ) أي : عاشر ذي الحجة وتدخل بغروب التاسع وهذا هو الركن ، وأما الوقوف نهارا من زوال تاسع ذي الحجة فواجب ينجبر بالدم إن تركه عمدا لغير عذر هذا هو المشهور . وقال اللخمي وابن العربي يدخل وقت الوقوف الركن بزوال الشمس ومال إليه ابن عبد البر . ابن عبد السلام والحاصل أن زمان الوقوف موسع وآخره طلوع الفجر واختلفوا في مبدئه فقال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه من الغروب . وقال الجمهور من الزوال ، ووافق اللخمي وابن العربي الجمهور ومال إليه ابن عبد البر .

ويكفي الحضور بعرفة ساعة من ليلة النحر إذا استقر واطمأن بل ( ولو مر ) الحاج بعرفة من غير طمأنينة ( إن نواه ) أي : المار الوقوف بها بمروره فإن لم ينوه به فلا يحصل الركن به لخروجه عن سنة الحجاج ، بخلاف المطمئن فينسحب إحرامه على حضوره مطمئنا كانسحابه على الطواف والسعي وسائر أعمال الحج . ويشترط أيضا معرفة أن ما مر به عرفة وسيفيد هذا بقوله لا الجاهل ، فكأنه قال وعرفه فإن لم يعرفه فلا يكفيه ، وعلى المار الناوي العارف هدي فالطمأنينة واجبة . [ ص: 255 ] وأشار بولو إلى القول بعدم إجزاء المرور وظاهره مطلقا ونحوه قول ابن الحاجب ، ففي المار قولان واعترضه في التوضيح بقوله لم أر من قال بعدم الإجزاء مطلقا كما هو ظاهر كلام المصنف ، وقد جعل سند محل الخلاف إذا لم يعرفها ونصه ومن مر بعرفة وعرفها أجزأه وإن لم يعرفها فقال محمد لا يجزيه والأشهر الإجزاء ا هـ . وبحث فيه الحط بأن سندا لم يصرح بتشهير الإجزاء وإنما قال بعد أن حكى عن مالك رضي الله تعالى عنه الإجزاء وهو بين . ونقل ابن عرفة في جاهلها روايتين وفي العارف بها أربعة أقوال ، ونصه وفي إجزاء مرور من مر بعرفة عارفا بها مطلقا أو إن نوى به الوقوف ، ثالثها وذكر الله تعالى فإن نوى ولم يذكره لم يجزه ، ورابعها الوقوف . ثم قال وفي إجزاء من مر بها جاهلا رواية ابن المنذر . ودليل قول ابن القاسم مع اللخمي عن رواية محمد ويكفي حضور جزء عرفة ساعة من ليلة النحر سواء كان الحاضر سالما من الإغماء قبل الزوال ( أو ) كان متلبسا ( بإغماء ) أي : استتار عقل بشدة مرض ( قبل الزوال ) من تاسع ذي الحجة وأولى بعده واستمر مغمى عليه حتى طلع فجر اليوم العاشر وخرج وقت الوقوف فيكفيه ولا دم عليه ; لأن الإغماء لا يبطل الإحرام وهو منسحب على حضوره إذا وقف به رفقاؤه جزءا من ليلة النحر .

ومثل الإغماء هنا الجنون والنوم والسكر بحلال بخلاف السكر بحرام فيمنع الإجزاء كجهل المار بل أولى ، وأشار إلى الخلاف بالعطف على المبالغ عليه بولو . ابن عرفة وفي إجزاء من وقف به مغمى عليه مطلقا . أو إن أغمي عليه بعرفة بعد الزوال ولو قبل وقوفه ، ثالثها إن أغمي عليه بعدهما وسواء كان الوقوف بتاسع .

( أو أخطأ الجم ) بفتح الجيم وشد الميم أي : جميع أهل الموقف لا أكثرهم وإن كان هذا معنى الجم لغة في رؤية هلال ذي الحجة فوقفوا ( ب ) بيوم ( عاشر ) من ذي الحجة في نفس الأمر ظنا منهم أنه اليوم التاسع وأن الليلة عقبه ليلة العاشر بأن غم عليهم ليلة ثلاثين من ذي القعدة فأكملوا عدته ، ووقفوا في تاسع ذي الحجة فتبين بعد ذلك أنه العاشر فيجزيهم [ ص: 256 ] إن كان المخطئ الجميع ( فقط ) فإن كان بعضهم فلا يكفيهم ولو كانوا أكثر أهل الموقف وكان الخطأ بعاشر فقط ، فإن كان بثامن أو حادي عشر فلا يكفي . والفرق أن الذين وقفوا بالعاشر فعلوا ما تعبدهم الله تعالى به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من إكمال العدة إذا غيمت بخلافه بالثامن ، فإنه باجتهاد أو شهادة باطلة وظاهر قوله أو أخطأ الجم بعاشر الإجزاء سواء تبين لهم الخطأ قبل وقوفهم ويؤمرون به كما قاله ابن محرز أم بعده وهو كذلك على الراجح .

وقال سند محل الإجزاء إن تبين لهم الخطأ بعد الوقوف فإن تبين لهم قبل الوقوف أنه اليوم العاشر فلا يجوز لهم الوقوف حينئذ ، وإن وقفوا فلا يجزيهم . الحط ما قاله سند غير ظاهر لما نص عليه مالك رضي الله تعالى عنه في العتبية في سماع يحيى من أنهم يمضون على عملهم سواء ثبت عندهم أنه العاشر في بقية يومهم أو بعده وقبله ابن رشد وغيره ونحوه في الجواهر . طفي وأنت إذا تأملت كلام سند وجدته غير مخالف لما في العتبية والجواهر ; لأن كلامهما فيمن وقف ثم تبين له في بقية يومه أو بعده أنه العاشر .

وكلام سند فيمن لم يذهب للوقوف حتى تبين له أنه العاشر وأصله للقاني في حواشي التوضيح . وفرق بينهما بأن الأول أوقع الوقوف في وقته المقدر له شرعا في ظنه اجتهادا ، والثاني ليس له أن يوقع الوقوف في غير وقته المشروع قصدا على وجه القضاء ; لأنه لا يقضي . اللقاني وهذا مصرح به في الطراز . وظاهر المصنف أيضا نشأ الخطأ من غيم ليلة ثلاثين من ذي القعدة أو غلط في عدد الأيام ، ولكن مقتضى الفرق المتقدم اختصاصه بالأول كما قررته أولا وإنه لا يجزيهم وقوفهم بعاشر في الفرض الثاني . ابن عرفة وفي إجزاء وقوف أهل الموسم العاشر غلطا نقل الطرطوشي اختلافي نقل ابن القاسم وسحنون ابن الكاتب اتفق فقهاء الأمصار وأتباع مالك رضي الله تعالى عنه على الإجزاء ووقوفهم الثامن غلطا لغو .

وعن ابن العربي إجزاؤه لابن القاسم وسحنون واختاره ، وسمع أصبغ ابن القاسم يجزئ العاشر لا الثامن الشيخ اختلف فيه قول سحنون ابن رشد حمل بعضهم اختلافه على [ ص: 257 ] العاشر وبعضهم على الثامن وهو محتمل لوجود الخلاف فيهما . وغلط المنفرد لا يجزئ مطلقا اتفاقا ( لا ) يجزئ المرور بعرفة المار ( الجاهل ) بأن ما مر عليه عرفة لتقصيره . وشبه في عدم الإجزاء فقال ( ك ) وقوف ب ( بطن عرنة ) بضم العين المهملة وفتح الراء والنون واد بين العلمين اللذين على طرف الحرم والعلمين اللذين على طرف عرفة فليس من الحرم ولا من عرفة فلا يجزي الوقوف به ( وأجزأ ) الوقوف ( بمسجدها ) أي : عرنة بالنون ; لأنه من عرفة بالفاء ونسب لذات النون ; لأن حائط القبلي الذي إلى جهة الحرم على حد ذات النون لو سقط لسقط فيها ويجزئ الوقوف به .

( بكره ) بضم الكاف أي : كراهة لارتباطه بذات النون . الحط أخذ المصنف هذا مما حكاه الجلاب عن المذهب ولم يعرج عليه ابن عرفة ، ونصه أبو عمر . روى ابن حبيب عرفة بالحل وعرنة بالحرم ، وروى محمد هي وادي عرفة وفي إجزاء الوقوف بها مع الدم وعدم إجزائه . ثالثها يكره ثم قال وفي إجزائه بمسجد عرفة ثالثها الوقوف للخمي عن ابن مزين مع محمد قائلا حائطه القبلي على حد عرفة سقوطه بها وأصبغ وابن عبد الحكم مع مالك رضي الله تعالى عنهم ، وفيها كره بناؤه وقال : إنما حدث بعد بني هاشم بعشر سنين .

( وصلى ) الحاج العشاء أو والمغرب إذا خشي عدم إدراك ركعة منها أو من الأخيرة عقب صلاة المغرب قبل أن يذهب لعرفة إن لم يخف فوات الوقوف بعرفة بل ( ولو فات ) هـ الوقوف بعرفة ; لأن ما ترتب على تركه القتل يقدم على ما ليس كذلك ، هذا هو المشهور كما في التوضيح واختار سند واللخمي والقرافي وجمع تقديم الوقوف بعرفة في هذه الصورة ، وأما لو أمكنه الذهاب لعرفة مع صلاة ركعة من العشاء بها لوجب عليه السير لعرفة والصلاة بها اتفاقا ، والتقييد بالعشاء والمغرب لإخراج تذكر فائتة لا يمكنه قضاؤها قبل الوقوف فإنه يقدم الوقوف اتفاقا . وإن كان وقت الفائتة وقت ذكرها كما في الخبر لضعف [ ص: 258 ] أمرها بالنسبة إلى الحاضر وقته وهو الوقوف .

والخلاف المتقدم جار على الفورية والتراخي . وقول ابن رشد يقدم الصلاة على التراخي غير ظاهر ; لأن الفور والتراخي إنما ينظر إليهما قبل الإحرام ، وأما بعده فقد صار إتمامه فرضا على الفور إجماعا . بل لو كان تطوعا وجب إتمامه . فإن أفسده وجب إتمامه وقضاؤه فورا ا هـ . عب قوله والتقييد بالعشاء إلخ صحيح وفيها فرض ابن بشير المسألة والخلاف ، ولذا قال الحط لا ينبغي أن يحمل كلام المصنف على ظاهره ولو فاتته ; لأن هذا القول لم أقف عليه ا هـ .

ولا يرد بقول ابن عرفة . محمد إن ذكر منسية إن صلاها فاته الوقوف قبل الفجر وقف إن كان قرب عرفة وإلا صلى . ابن عبد الحكم إن كان آفاقيا وقف والأصلي . الصائغ يصلي إيماء كالمسايف . ورده ابن بشير بخوفه على نفسه قال وهو قياس على الرخصة ، ثم قال وفرضها ابن بشير في ذاكر عشاء ليلته ا هـ ; لأن كلامه محتمل لكون المنسية فاتته أو حاضرة وإن كان ظاهره الأول قاله طفي .




الخدمات العلمية