الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وبعده ) أي الإحرام بلا مهلة ( يتقي الرفث ) [ ص: 487 ] أي الجماع أو ذكره بحضرة النساء ( والفسوق ) أي الخروج عن طاعة الله ( والجدال ) فإنه من المحرم أشنع ( وقتل صيد البر ) لا البحر ( والإشارة إليه ) في الحاضر ( والدلالة عليه في الغائب ) ومحل تحريمهما إذا لم يعلم المحرم ، أما إذا علم فلا في الأصح ( والتطيب ) وإن لم يقصده وكره شمه ( وقلم الظفر وستر الوجه ) [ ص: 488 ] كله أو بعضه كفمه وذقنه ، نعم في الخانية لا بأس بوضع يده على أنفه ( والرأس ) بخلاف الميت وبقية البدن ، ولو حمل على رأسه ثيابا كان تغطية لا حمل عدل وطبق ما لم يمتد يوما وليلة فتلزمه صدقة ، وقالوا لو دخل تحت ستر الكعبة فأصاب رأسه أو وجهه كره وإلا فلا بأس به

التالي السابق


( قوله بلا مهلة ) يشير إلى أن الأصوب أن يقول فيتقي بالفاء كما في القدوري والكنز . مطلب " من حج فلم يرفث إلخ " أي من وقت الإحرام

هذا ، وفي النهر : واعلم أنه يؤخذ من كلامه ما قاله بعضهم في قوله صلى الله عليه وسلم " { من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه } أن ذلك من ابتداء الإحرام لأنه لا يسمى حاجا قبله ا هـ .

[ ص: 487 ] مطلب فيما يحرم بالإحرام وما لا يحرم

( قوله أي الجماع ) هو قول الجمهور شرح اللباب - { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } - بحر ( قوله أو ذكره بحضرة النساء ) هو قول ابن عباس وقيل ذكره ودواعيه مطلقا ، قيل : وهو الأصح شرح اللباب ، وظاهر صنيع غير واحد ترجيح ما عن ابن عباس نهر .

قلت : والظاهر شمول النساء للحلائل لأنه من دواعي الجماعة تأمل ( قوله أي الخروج ) إشارة إلى أن الفسوق مصدر لا جمع فسق كعلم وعلوم كما أشعر به تفسيرهم له بالمعاصي ، واختاره لمناسبته للرفث والجدال ولأن المنهي عنه مطلق الفسق مفردا أو جمعا أفاده في النهر ( قوله والجدال ) أي الخصومة مع الرفقاء والخدم والمكارين بحر ، وما عن الأعمش أن من تمام الحج ضرب الجمال فقيل في تأويله إنه مصدر مضاف لفاعله لكن في شرح النقاية ورد أن الصديق رضي الله عنه ضرب جماله لتقصيره في الطريق . ا هـ .

قلت : وحينئذ فضربه لا للجدال بل لتأديبه وإرشاده إلى مراعاة الحفظ والعمل الواجب عليه ، حيث لم ينزجر بالكلام وبذلك يصح كونه من تمام الحج لكونه أمرا بمعروف ونهيا عن منكر تأمل ( قوله فإنه ) أي ما ذكر من الثلاثة . وفيه إشارة إلى وجه التنصيص عليها هنا تبعا للآية كلبس الحرير فإنه حرام مطلقا وفي الصلاة أشنع ( قوله وقتل صيد البر ) أي مصيده إذ لو أريد به المصدر وهو الاصطياد لما صح إسناد القتل إليه بحر وعبر بالقتل دون الذبح لاستعماله في المحرم غالبا وهذا كذلك حتى لو ذكاه كان ميتة ( قوله لا البحر ) ولو غير مأكول - { أحل لكم صيد البحر } - الآية ( قوله والدلالة ) بالكسر في المحسوسات وبالفتح في المعقولات وهو الفصيح رملي ( قوله في الغائب ) أفاد به وبقوله في الحاضر الفرق بين الإشارة والدلالة .

قلت : والفرق أيضا أن الأولى باليد ونحوها والثانية باللسان ونحوه كالذهاب إليه ( قوله إذا لم يعلم المحرم ) كذا في النهر والمراد به المدلول والأصوب التعبير به قال في السراج ثم الدلالة إنما تعمل إذا اتصل بها القبض وأن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد وأن يصدقه في دلالته ويتبعه في أثرها ، أما إذا كذبه ولم يتبع أثره حتى دله آخر وصدقه واتبع أثره فقتله فلا جزاء على الدلالة . ا هـ .

[ تتمة ]

في حكم الدلالة الإعانة عليه كإعارة سكين ومناولة رمح وسوط وكذا تنفيره وكسر بيضه وكسر قوائمه وجناحه وحلبه وبيعه وشراؤه وأكله وقتل القملة ورميها ودفعها لغيره والأمر بقتلها والإشارة إليها إن قتلها المشار إليه وإلقاء ثوبه في الشمس وغسله لهلاكها لباب ( قوله وإن لم يقصده ) قيل عليه التطيب معمول لقوله يتبقى ، ولا معنى لأمر غير القاصد بالاتقاء فيجاب بأن المراد غير قاصد للتطيب بل قاصد للتداوي ومع ذلك يكون محظورا عليه فعليه اتقاؤه رحمتي ( قوله وكره شمه ) أي فقط فلا شيء عليه به كما في الخانية ، وبهذا يشير إلى أن المراد بالتطيب استعماله في الثوب والبدن وقالوا لو لبس إزارا مبخرا لا شيء عليه لأنه ليس بمستعمل لجزء من الطيب وإنما حصل مجرد الرائحة ومن ثم قال في الخانية لو دخل بيتا قد بخر فيه واتصل بثوبه شيء منه لم يكن عليه شيء نهر ( قوله وقلم الظفر ) أي قطعه ولو واحدا بنفسه أو غيره بأمره أو قلم ظفر غيره إلا إذا انكسر بحيث لا ينمو فلا بأس به ط [ ص: 488 ] عن القهستاني .

( قوله كله أو بعضه ) لكن في تغطية كل الوجه أو الرأس يوما أو ليلة دم والربع منهما كالكل وفي الأقل من يوم أو من الربع صدقة كما في اللباب وأطلقه فشمل المرأة لما في البحر عن غاية البيان من أنها لا تغطي وجهها إجماعا ا هـ أي وإنما تستر وجهها عن الأجانب بإسدال شيء متجاف لا يمس الوجه كما سيأتي آخر هذا الباب ، وأما ما في شرح الهداية لابن الكمال من أنها لها ستره بملحفة وخمار وإنما المنهي عنه ستره بشيء فصل على قدره كالنقاب والبرقع فهو بحث عجيب أو نقل غريب مخالف لما سمعته من الإجماع ، ولما في البحر وغيره في آخر هذا الباب ، ثم رأيت بخط بعض العلماء في هامش ذلك الشرح أن هذا مما انفرد به المؤلف ، والمحفوظ عن علمائنا خلافه وهو وجوب عدم مماسة شيء لوجهها ا هـ ثم رأيت نحو ذلك نقلا عن منسك القطبي فافهم ( قوله نعم في الخانية إلخ ) استدراك على قوله أو بعضه لأنه يوهم أن هذا محظور مع أنه عده في اللباب من مباحات الإحرام ، وأما كلمة لا بأس فإنها لا تدل على الكراهة دائما ومنه قوله الآتي قريبا كره وإلا فلا بأس به فافهم ( قوله والرأس ) أي رأس الرجل أما المرأة فتستره كما سيأتي .

( قوله بخلاف الميت ) يعني إذا مات محرما حيث يغطى رأسه لبطلان إحرامه بموته لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث } والإحرام عمل فهو منقطع ولهذا لا يبني المأمور بالحج على إحرام الميت اتفاقا ، { وأما الأعرابي الذي وقصته ناقته فقال صلى الله عليه وسلم لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } فهو مخصوص من ذلك بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء إحرامه ، وهو مفقود في غيره فقلنا بانقطاعه بالموت أفاده في البحر وغيره ، وبه يحصل الجمع بين الحديثين ويؤيده أن قوله : فإنه يبعث إلخ واقعة حال ولا عموم لها كما تقرر في الأصول فلا يدل على أن غير الأعرابي مثله في ذلك ( قوله وبقية البدن ) بالجر عطفا على الميت : أي وبخلاف ستر بقية البدن سوى الرأس والوجه فإنه لا شيء عليه لو عصبه ويكره إن كان بغير عذر لباب ، وفي شرحه وينبغي استثناء الكفين لمنعه من لبس القفازين . ا هـ . قلت : وكذا القدمين مما فوق معقد الشراك لمنعه من لبس الجوربين كما يأتي إلا أن يكون مراده بالستر التغطية بما لا يكون لبسا فستر اليدين والرجلين بالقفازين أو الجوربين لبس فتأمل ( قوله ما لم يمتد يوما وليلة إلخ ) الواو بمعنى أو لأن لبس المعتاد يوما أو ليلة موجب للدم ، فغير المعتاد كذلك موجب للصدقة ط .

قلت : لكن لينظر من أين أخذ الشارح ما ذكره ، فإن الذي رأيته في عدة كتب أنه لو غطى رأسه بغير معتاد كالعدل ونحوه لا يلزمه شيء فقد أطلقوا عدم اللزوم ، وقد عد ذلك في اللباب من مباحات الإحرام ، نعم في النهر عن الخانية : لو حمل المحرم على رأسه شيئا يلبسه الناس يكون لابسا ، وإن كان لا يلبسه الناس كالإجانة ونحوها فلا ، ويكره له تعصيب رأسه ولو فعل يوما وليلة كان عليه صدقة . ا هـ . والظاهر أن الإشارة للتعصيب وكأن الشارح أرجعها للحمل أيضا تأمل ( قوله وقالوا إلخ ) نص عليه في اللباب وغيره ، وكذا نص على أنه يكره كب وجهه على وسادة بخلاف خديه قال شارحه : وكذا وضع رأسه عليها فإنه وإن لزم منه تغطية بعض وجهه أو رأسه إلا أنه الهيئة المستحبة في النوم بخلاف كب الوجه . ا هـ . ( قوله كره ) ظاهر إطلاقه أنها تحريمية ط




الخدمات العلمية