الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1725 - مسألة : ولو ترك أختا شقيقة وإخوة وأخوات للأب ، فللشقيقة : النصف ، وما بقي بين الإخوة والأخوات للأب ، ما لم يتجاوز ما يجب للأخوات السدس ولا يزدن على السدس أصلا ، ويكون الباقي للذكر وحده .

                                                                                                                                                                                          فإن كانتا شقيقتين ، وأختا أو أخوات لأب ، وأخا لأب : فالثلثان للشقيقتين ، والباقي للأخ الذكر ، ولا شيء للأخت للأب ، ولا للأخوات للأب .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي الضحى - هو مسلم بن صبيح - عن مسروق بن الأجدع قال : كان ابن مسعود يقول في أخوات لأب وأم ، وإخوة وأخوات لأب : للأخوات من الأب والأم : الثلثان ، وسائر المال للذكور دون الإناث .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى ، سعيد نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق : أنه كان يأخذ بقول عبد الله في أخوات لأب وأم : فجعل ما بقي من الثلثين للذكور دون الإناث ، فخرج إلى المدينة فجاء وهو يرى أن يشرك بينهم ، فقال له علقمة : ما ردك عن قول عبد الله ، ألقيت أحدا هو أثبت في نفسك منه ؟ قال : لا ، ولكن لقيت زيد بن ثابت فوجدته في الراسخين في العلم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع نا سفيان عن معبد بن خالد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود : أنه قال في أختين لأب وأم ، وإخوة وأخوات لأب : إن للتين للأب والأم : الثلثين ، فما [ ص: 288 ] بقي فللذكور دون الإناث - وأن عائشة شركت بينهم ، فجعلت ما بقي بعد الثلثين للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم النخعي ، قال : قال مسروق رأيت زيد بن ثابت وأهل المدينة يشركون بينهم ، قال الأعمش : وكان ابن مسعود يقول في أخت لأب وأم ، وإخوة لأب : لهذه النصف ، ثم ينظر : فإن كان إذا قاسم بها الذكور أصابها أكثر من السدس لم يزدها على السدس ، وإذا أصابها أقل من السدس : قاسم بها - وكان غيره من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقولون : لهذه النصف ، وما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع نا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت أنه قال فيها : هذا من قضاء أهل الجاهلية : أن يرث الرجال دون النساء .

                                                                                                                                                                                          قال علي : بقول ابن مسعود يقول علقمة ، وأبو ثور ، واختلف فيه على أبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : احتج من خالف ابن مسعود بظاهر قول الله تعالى : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين }

                                                                                                                                                                                          وبما ذكرنا من أنه قول سائر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأنه من قضاء أهل الجاهلية .

                                                                                                                                                                                          قال علي : ليس قضاء أهل الجاهلية ما أوجبه القرآن ، وقد صح الإجماع على توريث العم ، وابن العم ، وابن الأخ : دون العمة ، وبنت العم ، وبنت الأخ - فهل هذا من قضاء أهل الجاهلية .

                                                                                                                                                                                          وأما قول الأعمش : إن سائر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على خلاف هذا .

                                                                                                                                                                                          فنقول للمحتج بهذا : هبك صح لك ذلك - وهو لا يصح - عن ستة منهم ، أهذا حجة عندك ; لأنه إجماع أم لماذا ؟ فإن قال : ليس إجماعا ، قلنا له : فما ليس إجماعا ولا نصا : فلا حجة فيه ، وإن كان هو إجماعا ؟ قلنا : فمخالف الإجماع : كافر أو فاسق ، فانظر فيم تدخل ، وبماذا [ ص: 289 ] تصف ابن مسعود ؟ والله إن المعرض به في ذلك لهو المستحق لهاتين الصفتين ، لا ابن مسعود المقطوع له بالجنة ، والعلم ، والدين ، والإيمان .

                                                                                                                                                                                          وأما الآية : فهي حجة عليهم ; لأن الله تعالى إنما قال ذلك فيما يرثه الإخوة والأخوات بالتعصيب ، لا فيما ورثه الأخوات بالفرض المسمى ، والنص قد صح بأن لا يرث الأخوات بالفرض المسمى أكثر من الثلثين .

                                                                                                                                                                                          وقد أجمع المخالفون لنا : على أن من ترك أختا شقيقة ، وعشر أخوات لأب ، وعما أو ابن عم ، أو ابن أخ : فإنه ليس للأخوات للأب إلا السدس فقط ، والباقي لمن ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وأجمعوا على أنه لو ترك أختين شقيقتين ، وعشر أخوات لأب ، وعما أو ابن عم ، أو ابن أخ : أن اللواتي للأب لا يرثن شيئا أصلا ، فمن أين وجب أن يرثن مع الأخ ، ولا يرثن مع العم ، ولا مع ابن العم ، ولا مع ابن الأخ ؟ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { ألحقوا الفرائض بأصحابها ، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر } والفرائض في هذه المسألة إنما هو النصف للشقيقة ، أو الثلثان للشقيقتين ، أو النصف للشقيقة ، والسدس للتي للأب أو اللواتي للأب فقط ، فصح أن الباقي لأولى رجل ذكر ، وهذا مما خالفوا فيه النص والقياس - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية