الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 547 ] ذكر أحاديث تدل على أن النهي كان بعد الإباحة أخبرني محمد بن إبراهيم بن علي ، أخبرنا أبو زكريا العبدي ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد ، أخبرنا أبو بكر بن عاصم ، حدثنا هدبة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثني عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن الطفيل بن سخبرة - أخي عائشة لأمها - أنه قال : رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت : من أنتم ؟ فقالوا : نحن اليهود . فقلت : فإنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : عزير ابن الله . قالوا : وأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وما شاء محمد . ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت : من أنتم ؟ فقالوا : نحن النصارى . فقلت : إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون : المسيح ابن الله . فقالوا : وأنتم القوم لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد . فلما أصبح أخبر بها من أخبر ، ثم أخبرت بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هل أخبرت بها أحدا ؟ قلت : نعم . فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم ، وإنكم لتقولون الكلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها ، فلا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد .

تابعه : شعبة ، وزائدة ، ونفر عن عبد الملك نحوه ، ورواه عنه : سفيان الثوري ، فخالفهم في ذلك .

أخبرنا محمد بن محمد بن أبي نصر الخطيب ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا الشيخ الحافظ ، أخبرنا إسحاق بن أحمد ، قال : قرأت على عباس بن يزيد البصري ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : لقي رجل من المسلمين رجلا من اليهود فقال : نعم القوم أنتم تزعمون أنا مشركون وأنتم مشركون ؛ [ ص: 548 ] تقولون : ما شاء الله وشاء محمد . فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : والله لقد كنت أكرهها ؛ فقولوا : ما شاء الله ، ثم شاء محمد .

وقد روي عن شعبة قول آخر خلاف الأول .

وبالإسناد قال أبو الشيخ ، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا هانئ بن يحيى ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن عبد خير ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : قالت اليهود : نعم القوم أنتم قوم محمد لولا أنهم يقولون : ما شاء الله وشاء محمد . فقال صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ؛ ولكن قولوا ما شاء الله وحده .

أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر ، أخبرنا أبو منصور محمد بن الحسين في كتابه ، أخبرنا القاسم بن أبي المنذر ، أخبرنا علي بن بحر القطان ، أخبرنا محمد بن يزيد ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة بن اليمان : أن رجلا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال : نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون ؛ قال : تقولون : ما شاء الله وشاء محمد . فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم : والله إن كنت لأعرفها لكم ؛ قولوا : ما شاء الله ، ثم ما شاء محمد .

قالوا : وسكوته - صلى الله عليه وسلم - إذن لهم في ذلك حتى نهاهم فانتهوا ، وقد يشكل على بعض الناس الجمع بين هذا الحديث والحديث الآخر في الوافد الذي قدم [ ص: 549 ] وقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : بئس الخطيب أنت ؛ هلا قلت : ومن يعص الله ورسوله ؛ إذ جوز له ما أنكر عليه في الحديث الأول ؛ لأن الحديث الأول كان مذكورا بحرف الواو ، وهي تقتضي الترتيب مع التراخي ، وأما في الحديث الثاني فأمره أن يعدل بضمير التثنية إلى واو العطف ، وقد بين الشافعي رضي الله عنه ذلك بيانا شافيا .

أخبرنا أبو مسلم محمد بن أبي الفتوح ، أخبرنا القاضي أبو علي إسماعيل بن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبي ، أخبرنا محمد بن عبد الله ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي رضي الله عنه : المشيئة إرادة الله ؛ قال الله - عز وجل - : وما تشاءون إلا أن يشاء الله فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه ، وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء ، فيقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما شاء الله ثم شئت . ولا يقال : ما شاء الله وشئت . قال : ويقال : من يطع الله ورسوله ؛ فإن الله تعبد العباد بأن فرض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أطيع الله تعالى بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 550 ] آخره بتمامه ، تم جميع الديوان ، الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على محمد خاتم النبيين ، وذلك في يوم الجمعة خامس عشر رجب المبارك سنة اثنين وعشرين وسبعمائة الهلالية ، وكتبت هذه النسخة من خط مصنفها أبي بكر محمد بن أبي عثمان الحازمي رحمه الله ، وقرأه عليه جماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية