الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( والجزاء بحكم عدلين فقيهين بذلك )

                                                                                                                            ش : يعني أنه يشترط في الجزاء حكم حكمين وتشترط فيهما العدالة ، ويشترط فيهما الفقه بأحكام الصيد ، ولا يشترط في ذلك إذن الإمام لهما ، ولا يجزي أن يكون أحدهما القاتل قاله في المدونة وظاهر كلام المصنف أن حكم الحكمين شرط في إجزاء الصيد مطلقا مثلا كان ، أو طعاما ، أو [ ص: 180 ] صياما ولا أعلم خلافا في اشتراط الأولين ، وأما الصوم فصرح ابن الحاجب باشتراط ذلك فيه ، فقال : ولا يخرج مثلا ولا طعاما ولا صياما إلا بحكم عدلين فقيهين ، وذكر صاحب الطراز في ذلك خلافا بعد أن قال أما استحبابه ، فلا يختلف المذهب فيه إذ لا يحل بشيء إذ فيه مزيد احتياط ، ثم ذكر عن الباجي أنه قال الأظهر عندي استئناف الحكم في الصوم ; لأن تقدير الأيام بالأمداد موضع اجتهاد ، فقد خالف فيه بعض الكوفيين ، وبالحكم يتخلص من الخلاف وظاهر كلام ابن عرفة بل صريحه أن الصوم لا يشترط فيه الحكم ، ونصه : وشرط الجزاء في المثل والإطعام كونه بحكمين ولم يحك في ذلك خلافا ، فتأمله ( فرع ) : قال سند : ولا بد في ذلك من لفظ الحكم ، والأمر بالجزاء .

                                                                                                                            ص ( أو إطعام بقيمة الصيد ) ش أي بقدر قيمة الصيد من الطعام ، وليس المعنى أنه يقوم الصيد بدراهم مثلا ، ثم يشتري بتلك القيمة بل المطلوب أن يقوم الصيد أول الأمر بالطعام ، ولو قوم بالدراهم ، ثم اشترى بها طعاما أجزأ قال في المدونة فإن أراد أن يحكما عليه بالطعام ، فليقوما الصيد نفسه حيا بطعام ، ولا يقومان جزاءه من النعم ، ولو قوم الصيد بدراهم ، ثم اشترى بها طعاما رجوت أن يكون واسعا ولكن تقويمه بالطعام أصوب انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة : قال في الكافي : لو قوم بدراهم ، ثم قومت بطعام أجزأ والأول أصوب عند مالك والتقويم للحكمين ( قلت ) : مثله في كتاب محمد وظاهر قولها لو قوم بدراهم ، ثم اشترى بها طعاما رجوت سعته خلافه ونقلها ابن الحاجب بلفظ أبي عمر دون قوله ، والأول أصوب انتهى .

                                                                                                                            . كذا قال ابن عبد السلام : وأتى المصنف يعني ابن الحاجب بهذه المسألة وهي في المدونة على خلاف ما أتى به ، ثم ذكر لفظها المتقدم ، ثم قال : فظاهره أنه أخرج القيمة دراهم ، ثم اشترى بها طعاما لا أنه أخرج عن القيمة طعاما من تحت يده ، وهو أشد بعدا عن الأصل مما ذكر المؤلف انتهى .

                                                                                                                            وانظر ما صورة هذه المسألة هل حكم الحكمان عليه بالدراهم ، ثم اشترى هو بها طعاما ، أو قوم الحكمان الصيد بدراهم ، ثم قوما تلك الدراهم بطعام ، وحكما عليه به وهو الذي يفهم من كلام التوضيح وابن عبد السلام الثاني : وهو الذي يظهر من كلام الكافي فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( بمحله وإلا فبقربه ولا يجزئ بغيره )

                                                                                                                            ش : قوله بمحله يصح أن يتعلق بقيمة الصيد ، وأن يتعلق بإطعام قال سند : وجملة ذلك أن جزاء الصيد إن أخرج هديا ، فلا يكون إلا بالحرم ، وإن شاء الصيام صام حيث شاء من البلاد ، وإن شاء أن يطعم ، فالكلام في ذلك في موضعين في موضع التقويم ، وفي موضع إخراج الطعام أما موضع التقويم ، فأصحابنا متفقون على تقويمه حيث أصاب الصيد إلا أن يكون ليس له هناك قيمة إما ; لأنه ليس بموضع استيطان ، أو بموضع لا يعرفون للصيد فيه قيمة قال الباجي : ويجب أن يراعي أيضا ذلك الوقت ، وأما موضع إخراجه فيختلف فيه هل يجب الحرم أم لا ؟ فقال مالك وأبو حنيفة : لا يراعي الحرم وقال الشافعي : يختص بالحرم إذا ثبت ذلك فهل يختص ذلك بموضع تقويمه ؟ ظاهر الكتاب أنه يختص ، ولا يجزئ بغيره وحمل ابن المواز ذلك على اختلاف السعر ، فقال إن أصاب بالمدينة وأطعم بمصر لم يجزه ألا أن يتفق سعراهما وإن أصابه بمصر وهو محرم فأطعم بالمدينة أجزأه ; لأن السعر أغلى ، وقال أصبغ إذا أخرج على سعره بموضعه ذلك أجزأه حيثما كان ، ثم قال وإذا قلنا يخرج بغير ذلك الموضع ، فبقدر مكيلة ما حكم عليه ، أو بعدل قيمة تلك [ ص: 181 ] المكيلة يختلف فيه ، ثم قال : فرع : فلو لم يكن حكم عليه بمبلغ من الطعام حتى يرجع إلى أهله ، فأراد أن يطعم فليحكم اثنين ممن يجوز تحكيمهما ، ويصف لهما الصيد ويذكر لهما سعر الطعام بموضع الصيد ، فإن تعذر عليهم تقويمه بالطعام قومه بالدراهم ، وعلى ظاهر المذهب يبعث بالطعام إلى موضع الصيد كما يبعث بالهدي إلى مكة ، وعلى قول ابن وهب يبتاع بتلك القيمة طعاما في بلده ما بلغت قل الطعام ، أو كثر انتهى .

                                                                                                                            وقال في التوضيح : تحصيل المسألة أنه يطلب ابتداء بأن يخرج بمحل التقويم ، فإن أخرجه بغيره فمذهب المدونة عدم الإجزاء ، ومذهب الموطإ الإجزاء وعليه فثلاثة أقوال قول أصبغ يخرج حيث شاء بشرط أن يخرج على سعر بلد الحكم وقول ابن المواز المتقدم ، وقول ابن حبيب إن كان الطعام ببلد الإخراج أرخص اشترى من الطعام الواجب عليه ببلد الصيد فأخرجه وإن كان ببلد الإخراج أغلى أخرج المكيلة الواجبة عليه قال ابن عبد السلام واختلف الشيوخ في كلام ابن المواز فمنهم من جعله تفسيرا للمدونة ومنهم من جعله خلافا وهو الذي اعتمده ابن الحاجب انتهى فأشار المصنف إلى أن المعتبر في التقويم موضع الإصابة بقوله بمحله ، وإلا فبقربه ، وأشار إلى موضع الإخراج بقوله : ولا يجزئ بغيره أي ولا يجزئ الإخراج بغير محل الإصابة ، ثم أشار إلى التأويلين بقوله ، وهل إلا أن يساوي سعره ، فتأويلان ، والمعنى أنه إذا أخرج الطعام بغير محل الإصابة ، فهل لا يجزئ مطلقا ؟ أي سواء ساوى سعر محل الإخراج سعر محل الإصابة أم لا ولا يجزئ إلا أن يساوي سعر محل الإخراج سعر محل الإصابة أو يكون سعر محل الإخراج أغلى فيجزئ ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : من الغريب ما وقع في الكافي المختار أنه لا يذبح الجزاء ، أو لا يطعم عنه إلا حيث وجب الجزاء ، فإن الذبح لا يكون إلا بمكة انتهى .

                                                                                                                            ونحوه ما وقع في التلقين أنه لا يجوز إخراج شيء من جزاء الصيد بغير الحرم إلا الصيام انتهى . وهو مشكل بالنسبة إلى الإطعام ; لأن المذهب في الإطعام على ما تقدم ، وقد اعترض عليه في طرره قال : ظاهره أن الهدي في جزاء الصيد والإطعام لا يجوز أن يكونا إلا في الحرم ، ولا يجوز أن ينقل منه شيء إلى غير مساكين الحرم هذا ظاهر إطلاقه ، وهو مذهب الشافعي والذي ينقله الأصحاب عن مالك غير هذا فحكى القاضي أبو الحسن عن مالك أن الهدي إذا نحر بمكة ، أو بمنى جاز أن يطعم منه مساكين الحل بأن ينقل ذلك إليهم ، وأما الإطعام . فقد صرح في المدونة بأنه يكون في غير مكة حيث أحب صاحبه انتهى ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( والفيل بذات سنامين )

                                                                                                                            ش : هذا قول ابن ميسر زاد فإن لم توجد البدنة الخراسانية ، فعليه قيمته طعاما قاله في التوضيح .

                                                                                                                            ص ( وحمار الوحش وبقره بقرة )

                                                                                                                            ش : لا يقال ظاهره أن الواجب في حمار الوحش وبقره بقرة انتهى . لأن البقرة تقع على الذكر والأنثى قال في الصحاح البقر اسم جمع والبقرة تقع على الذكر والأنثى ، وإنما دخلت الهاء على أنه واحد من جنس والجمع بقرات قال في القاموس البقرة للمذكر والمؤنث والجمع بقر وبقرات وبقر بضمتين انتهى .

                                                                                                                            ص ( كحمام مكة والحرم ويمامه )

                                                                                                                            ش : يعني أن فيه شاة والمراد بحمام مكة والحرم ويمامه ما صيد في مكة ، أو الحرم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية