الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 301 ] ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) .

                          بعد ما تقدم من إقامة البرهان على أن القرآن من عند الله ، وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان عاجزا كغيره عن الإتيان بمثله في هدايته ، وفي علمه ولغته - وما تلاه من إقامة الحجج على بطلان شركهم ، وما بعده من بيان حالهم في اتباع أكثرهم لأدنى الظن وأضعفه في عقائدهم وتكذيبهم - عاد إلى تفنيد رأيهم الأفين في الطعن على القرآن بمقتضى الظن الضعيف من الأكثرين ، والجحود العنادي من الأقلين ، كالزعماء المستكبرين ، فقال : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ) النفي هنا للشأن الذي هو أبلغ وآكد من نفي الشيء مباشرة كما تقدم مرارا ، وإن غفل عن ذلك من أعربه إعرابا آخر لقصر نظره على ظاهر اللفظ ، دون ما يقتضيه المقام من المبالغة في الرد ، أي وما كان هذا القرآن العظيم في علو شأنه ، المحلى له في أسلوبه ونظمه ، وعلومه العالية ، وحكمته السامية ، وتشريعه العادل ، وآدابه المثلى ، وتمحيصه للحقائق الإلهية والاجتماعية ، وإنبائه بالغيوب الماضية والآتية ، وجعل المقصد من إصلاحه ما بينه آنفا من اتباع الحق والهدى ، واجتناب الضلال باتباع الهوى ، والاعتماد فيهما على العلم الصحيح - ما كان وما صح ولا يعقل أن يفتريه أحد على الله من دونه ويسنده إليه ; إذ لا يقدر غيره عز وجل عليه ، فإن فرض أن بشرا يستطيع الإتيان بمثله ، فلن يكون إلا بشرا أرقى وأكمل من جميع الحكماء والأنبياء وكذا الملائكة ومثله لن يفتري على الله ، بل قال أشد الكفار عنادا وعداوة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو جهل لعنه الله : إن محمدا لم يكذب على بشر قط أفيكذب على الله ؟ ! .

                          [ ص: 302 ] ( ولكن تصديق الذي بين يديه ) أي ولكن كان تصديق الذي سبقه من الوحي لرسل الله تعالى بالإجمال كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم بدعوته إلى أصول دين الله الإسلام ، التي دعوا إليها من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، بعد أن نسي بعض ذلك بقايا أتباعهم وضلوا عن بعض ، وشوهوه بالتقاليد المبتدعة مما لم يكن يعلمه محمد الأمي - صلى الله عليه وسلم - ، أو تصديق ذلك بكونه جاء وفاقا لما دعا به إبراهيم لأهل حرم الله ، ولما بشر به موسى وعيسى والنبيون كما بيناه بالتفصيل ، في تفسير قوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) ( 7 : 157 ) من جزء التفسير التاسع ، ويجوز الجمع بين المعنيين .

                          ( وتفصيل الكتاب ) الإلهي أي جنسه ، وهو ما شرعه الله تعالى ليكتب ويهتدي به جميع البشر من العقائد والشرائع والعبر والمواعظ وشئون الاجتماع وسنن الله في خلقه ( لا ريب فيه ) هو لا ريب فيه ، أو حال كونه لا ريب فيه ، أي ليس فيه مثار للشك ولا موضع للريب ; لأنه الحق والهدى من رب العالمين من وحيه لا يقدر عليه غيره ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ( 4 : 82 ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية