الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 76 ] وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل القرابة كلها متشعبة عن الأبوة ، فلا جرم انتقل من الكلام على حقوق الأبوين إلى الكلام على حقوق القرابة .

وللقرابة حقان : حق الصلة ، وحق المواساة ، وقد جمعهما جنس الحق في قوله حقه والحوالة فيه ما هو معروف وعلى أدلة أخرى .

والخطاب لغير معين مثل قوله إما يبلغن عندك الكبر .

والعدول عن الخطاب بالجمع في قوله ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين الآية إلى الخطاب بالإفراد بقوله وآت ذا القربى تفنن ; لتجنب كراهة إعادة الصيغة الواحدة عدة مرات ، والمخاطب غير معين فهو في معنى الجمع ، والجملة معطوفة على جملة ألا تعبدوا إلا إياه ; لأنها من جملة ما قضى الله به .

والإيتاء : الإعطاء ، وهو حقيقة في إعطاء الأشياء ، ومجاز شائع في التمكن من الأمور المعنوية ; كحسن المعاملة ، والنصرة ، ومنه قول النبيء صلى الله عليه وسلم : ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها الحديث .

وإطلاق الإيتاء هنا صالح للمعنيين كما هي طريقة القرآن في توفير المعاني ، وإيجاز الألفاظ .

وقد بينت أدلة شرعية حقوق ذي القربى ، ومراتبها : من واجبة مثل بعض النفقة على بعض القرابة ، مبينة شروطها عند الفقهاء ، ومن غير واجبة مثل الإحسان .

وليس لهاته تعلق بحقوق قرابة النبيء صلى الله عليه وسلم ; لأن حقوقهم في المال تقررت بعد الهجرة لما فرضت الزكاة وشرعت المغانم ، والأفياء وقسمتها ، ولذلك حمل جمهور العلماء هذه الآية على حقوق قرابة [ ص: 77 ] النسب بين الناس ، وعن علي زين العابدين أنها تشمل قرابة النبيء صلى الله عليه وسلم .

والتعريف في القربى تعريف الجنس ، أي القربى منك ، وهو الذي يعبر عنه بأن ( أل ) عوض عن المضاف إليه ، وبمناسبة ذكر إيتاء ذي القربى عطف عليه من يماثله في استحقاق المواساة .

وحق المسكين هو الصدقة ، قال تعالى ولا تحضون على طعام المسكين وقوله أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ، وقد بينت آيات وأحاديث كثيرة حقوق المساكين ، وأعظمها آية الزكاة ، ومراتب الصدقات الواجبة وغيرها .

وابن السبيل هو المسافر يمر بحي من الأحياء ، فله على الحي الذي يمر به حق ضيافته .

وحقوق الأضياف في كلام النبيء صلى الله عليه وسلم كقوله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة .

وكانت ضيافة ابن السبيل من أصول الحنيفية مما سنه إبراهيم عليه السلام قال الحريري : وحرمة الشيخ الذي سن القرى .

وقد جعل لابن السبيل نصيب من الزكاة .

وقد جمعت هذه الآية ثلاث وصايا أوصى الله به بقوله وقضى ربك . . الآيات .

فأما إيتاء ذي القربى فالمقصد منه مقارب للمقصد من الإحسان للوالدين ; رعيا لاتحاد المنبت القريب ، وشدا لآصرة العشيرة التي تتكون منها القبيلة ، وفي ذلك صلاح عظيم لنظام القبيلة وأمنها ، وذبها عن حوزتها .

وأما إيتاء المسكين فلمقصد انتظام المجتمع بأن لا يكون من أفراده من هو في بؤس وشقاء ، على أن ذلك المسكين لا يعدوا أن يكون من القبيلة في الغالب أقعده العجز عن العمل ، والفقر عن الكفاية .

[ ص: 78 ] وأما إيتاء ابن السبيل ; فلإكمال نظام المجتمع ; لأن المار به من غير بنيه بحاجة عظيمة إلى الإيواء ليلا ; ليقيه من عوادي الوحوش واللصوص ، وإلى الطعام والدفء أو التظلل من إضرار الجوع والفقر أو الحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية