الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك إذا قيل: لا يكون أحدهما قادرا إلا إذا جعله الآخر قادرا، أو مكنه الآخر، وامتنع من منعه، فإنه يلزم ألا يكون واحد منهما قادرا للدور الممتنع، وهو قد جعل فاعلا، فيلزم اجتماع النقيضين، فيلزم ألا يكون واحد منهما قادرا، مع وجوب كون الخالق قادرا، ويلزم أن يكون كلا منهما غير قادر مع كونه قادرا.

وهذا كله من الممتنع بصريح العقل، وهو لازم من إثبات ربين قديمين واجبين بأنفسهما، فدل على امتناع ذلك.

وسواء قدر اتفاقهما على الفعل أو اختلافهما فيه، فنفس كونهما قديمين واجبين قادرين ممتنع، ونفس كونهما غير قادرين ممتنع، ونفس اجتماع القدرة وعدمها ممتنع، ونفس اتفاقهما على مفعول واحد يستقل به كل منهما ممتنع، ونفس الاشتراك بأن يفعل هذا بعضه وهذا بعضه ممتنع.

وحينئذ فلا بد أن يكون أحدهما هو القادر أو الأقدر، فيعلو بعضهم [ ص: 368 ] على بعض، ولا بد إذا كانا قادرين من أن يذهب كل إله بما خلق، فإن العالي هو الإله المعبود، فلا يكون معه إله، بل يكون ما يقال إنه إله مملوكه وعابده.

وهم مقرون بذلك، لكن بين لهم فساد عبادة المخلوق والعابد لغيره.

كما قال: قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [سورة الإسراء: 42].

وقال: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا [سورة الإسراء: 56-57].

فإنه سبحانه ينهى عن الشرك الواقع، وهو اتخاذ ما سواه إلها، وإن كان المشركون مقرين بأنه إله مخلوق عابد للإله الأعظم ولهذا يقول: لو كان معه آلهة كما يقولون [سورة الإسراء: 42].

وبين أيضا امتناع أن يكون معه إله غني عنه بقوله: ولعلا بعضهم على بعض [سورة المؤمنون: 91]، وبقوله: لذهب كل إله بما خلق [سورة المؤمنون: 91]، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع، وقد ذكرها العلماء في كتبهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية